يُظن أنّ أول ظهور للنار، على الأرض، كان عن طريق الصواعق التي تضرب الغابات وتشعل النيران، فاستغلها الإنسان القديم قبل انطفائها. ثم تعلّم كيفية إشعالها بنفسه واستغلّها في الطهي والتدفئة والإنارة والتسخين والتصنيع والسحر والاحتفال.
كما استخدمها كوسيلة تراسل وتواصل، حيث كان الصينيون يستخدمون دخان النيران، التي يشعلونها على أبراج سور الصين، لتحذير السكّان من هجمات الأعداء الخارجيين.
وكان السكان الأصليين في أمريكا(الهنود الحُمر)يستخدمون النار في التواصل عبر المسافات البعيدة، حيث كانوا يشعلون النيران فوق الجبال ويجعلون دخانها يتصاعد بأشكال مختلفة تحمل رموزا متفق عليها بينهم يتناقلون بها الأخبار والتحذيرات.
أمّا العرب فقد استخدموا النار، قديما وحديثا، في ذات الأغراض التي استخدمتها الأمم الأخرى تقريبا. فقديما كان هناك تقليد متّبع بين القبائل، فعندما يلمع شاعر جديد، تقوم قبيلته بإشعال النار في قمم الجبال احتفالا بذلك. كما اشتهر حاتم الطائي بإشعال النيران الضخمة كي يراها العابرون في الصحراء ليحلّوا ضيوفا عليه. فيقول، في ليالي الشتاء الباردة، مخاطبا"عبده" :
أوقد فإن الليل ليل قر والريح ياموقد ريح صر عسى يرى نارك من يمر إن جلبت ضيفا فأنت حر
وظلّت هذه العادة الطيبة حية ومستمرة لدى البدو، فكان البدوي يشعل النار عند شروق الشمس وعند غروبها، وهي رسالة ضوئية للآخرين تحمل في داخلها دعوة دافئة لتناول القهوة. كما استخدم البدو النار بطريقة غريبة ومميزة، فعندما يبعث أحدهم برسالة مكتوبة، عبر شخص آخر، إلى أقاربه في بلد آخر أو منطقة بعيدة، ويريد منهم الحضور بشكل عاجل فإنه يقوم بإحراق طرف الرسالة. هذا الحرق مماثل للرمز الإنجليزي ASAP ويعني'As Soon As Possible' وعندما يفتح المرسل إليه الرسالة ويشاهد الحرق فإنه يترك كل شيء ويتجه على الفور إلى مكان كاتب الرسالة. لم يعد البدو يشعلون النار في العراء أو في طرف الرسالة منذ أن هجروا البداوة إلى المدنية ومنذ أن ظهرت وسائل الإتصال الحديثة مثل التلفون والبرقية.
لكن في أوربا وفي قلب روما وفي الفاتيكان تحديدا، ما زالت النار تُستخدم كما كانت تُستخدم قبل 800 عام عندما اجتمع، لأول مرة، عدد كبير من الكرادلة لاختيار البابا الجديد، وكانت الجماهير، في الخارج، تترقب نتيجة الاجتماع وأعينهم شاخصة إلى مدخنة كنيسة السيستينا، فإذا نفثت المدخنة دخانا أبيضا فهذا يعني أن الاجتماع قد نجح وأصبح لديهم بابا جديدا. أمّا إذا نفثت المدخنة دخانا أسودا، فهذا يعني أن الاجتماع قد فشل وأن المجتمعين قد اختلفوا. وكلّما انتهت جلسة تصويت دون اتفاق يتم حرق أوراق التصويت في المدخنة لينبعث الدخان الأسود فتنكسر قلوب الجماهير المحتشدة، كما انكسرت قلوب الشعب الكويتي يوم الثلاثاء الماضي عندما خان 11 نائبا الأمانة فـ طلى دخان الخيانة الأسود وجوههم وأسماءهم وتاريخهم إلى الأبد.