في الدراسات التاريخية والاجتماعية الجديدة ثمة دعوة إلى دراسة أثر الانفعالات القوي في تشكيل الأحداث، التي هي، من وجهة نظر الباحثين، علة تتصرف في الوقائع، حين تصبح مشاعر مثل الغضب والكراهية والخوف قوى تاريخية، حين يتم الانتقال من فردية الشعور إلى انفعال الجماعات.
ويبدو لنا أنه من المهم الاستعانة بمهارات علم النفس الاجتماعي في تحليل ظواهر معقدة يشهدها عالمنا العربي، بينها مثلاً ظاهرة «داعش» في لحظتنا الراهنة. صحيح أنها ظاهرة مركبة، لها أكثر من وجه، ولن يفلح هذا المنهج وحده في الإحاطة بأوجهها المتعددة، ولكنه سيسعفنا بالتأكيد في فهم ما الذي يجعل قطاعات واسعة من الشبان العرب الغرين ينساقون إلى أفكار مثل هذه الجماعات الإرهابية، ولا يتورعون عن التورط في جرائمها، وتحويل أجسادهم إلى قنابل ومتفجرات توقع الموت في العشرات والمئات من الأبرياء.
في حينه أثار كتاب غوستاف لوبون: «سيكولوجيا الجماهير» اهتماماً واسعاً، كونه سلط الضوء على علم نفس الجماعات، ونقل دائرة البحث من مجرد الاهتمام بميول الفرد وتناقضاته وعُقده، إلى رؤية تجليات ذلك في الجماعات الكبيرة، أو الجماهير، حسب عنوان الكتاب، والحق أن هذا الكتاب ما زال وسيظل من أفضل ما كتب في هذا المجال.
يُفيدنا علم النفس الجماعي ويضيء عقولنا عندما يشرح لنا جذور تصرفاتنا العمياء والأسباب التي تدفعنا للانخراط في جمهور ما والتحمس أشد الحماس للزعيم فلا نعي ما فعلناه إلا بعد أن نستفيق من الغيبوبة وربما جعلنا ذلك أكثر حيطة و حذراً في الانسياق وراء زعيم جديد قد يظهر.
في دراساته عن طبيعة المجتمع العراقي، سعى علي الوردي من جانبه للتمييز بين مفهوم ازدواج الشخصية في علمي النفس والاجتماع، فالازدواج، من وجهة نظر علم النفس، هو مرض يصيب بعض الأشخاص جراء عوامل وظروف مروا بها في نشأتهم أو في حياتهم عامة، أما ازدواج الشخصية من وجهة نظر علم الاجتماع فهو، حسب الوردي، ظاهرة اجتماعية تنجم عن تأثير المتضادات الثقافية على الفرد، ما يجعلها قابلة للتحول إلى ظاهرة مجتمعية.
ولو عدنا لغوستاف لوبون لرأيناه يقول إنه ما إن ينخرط الفرد في جمهور محدد حتى يتخذ سمات خاصة جديدة أو لعلها كانت موجودة فيه، لكنه لم يكن يجرؤ على البوح بها أو التعبير عنها بمثل هذه الصراحة والقوة، حين يتماهى مع الجماعة التي تسوغ له المحرمات.