بُني دستور 1962 على «نهج وسط» بين النظامين البرلماني والرئاسي، كما تنص المذكرة التفسيرية للدستور، وهو «نهج» غريب لا مثيل له في الدول الديمقراطية الحقيقية أملته الظروف الاجتماعية والسياسية وطبيعة موازين القوى في تلك المرحلة على أمل أن يُطّور بعد خمسة أعوام نحو النظام البرلماني الكامل لكن ذلك لما يحدث، مع الأسف الشديد.فاتجه نظامنا «الديمقراطي» أكثر فأكثر ناحية «النظام الرئاسي» بالرغم من عدم استكمال متطلباته وشروطه الضرورية، وهو ما أدى إلى تكرار الأزمات السياسية التي لن تنتهي ما لم يصوب هذا الشكل الغريب، وذلك بالأخذ بالنظام البرلماني الكامل الذي يميل إليه دستور 1962 وتأخذ به أغلب الدول الديمقراطية.في النظام الرئاسي، كما هي الحال في الولايات المتحدة الأميركية أو مصر، على سبيل المثال لا الحصر، ينتخب الشعب رئيس الدولة مباشرة فيقوم الرئيس بتشكيل حكومته، كما ينتخب الشعب البرلمان أيضاً لكن ليس بالضرورة أن يحصل حزب الرئيس على أغلبية مقاعده.وفي الأحوال كافة يجب على رئيس الدولة أن يقدم برنامج حكومته أمام البرلمان الذي قد لا يوافق عليه، لكن للرئيس صلاحيات دستورية استثنائية جداً تمكنه من اتخاذ قرارات محددة بشروط مقيدة في حالة وقوف البرلمان ضدها، كما حصل قبل مدة قصيرة عندما اتخذ الرئيس الأميركي قرارات استثنائية تتعلق بالميزانية بعدما فشل في التوصل إلى اتفاق مع المعارضة «الحزب الجمهوري».بينما في النظام البرلماني الكامل الذي يناسب عادة الملكيات الدستورية، كما في بريطانيا مثالاً لا حصراً، فالشعب ينتخب أعضاء البرلمان على أن يقوم الحزب الفائز بأغلبية المقاعد (أو ائتلاف حزبي في حالة فشل الجميع في الحصول على الأغلبية المطلوبة) بتشكيل الحكومة التي إما أن تُشكل كاملة من أعضاء البرلمان وإما أن تشكل من خارجه «حكومة تكنوقراط»، بناء على توافق سياسي بين الأحزاب الرئيسة الممثلة بالبرلمان. وفي جميع الأحوال يجب أن تحصل الحكومة على ثقة البرلمان بحيث تكون حكومة معبرة تعبيراً حقيقياً عن إرادة الأمة... تجدر الإشارة هنا إلى أن النظام الفرنسي يأخذ بالنظامين الرئاسي والبرلماني معاً، فالرئيس منتخب والحكومة تشكل من قبل الحزب الفائز بأغلبية أعضاء البرلمان.أما في الكويت، فلدينا نظام «ديمقراطي» غريب وعجيب حيث إن الحكومة لا تأتي عن طريق مجلس الأمة مباشرة ولا تحصل على ثقته أيضاً... ليس ذلك فحسب بل إن الوزراء يعتبرون أعضاء في مجلس الأمة، وهو الأمر الذي يعني أن ثلث المجلس يكون بالتعيين، فضلاً عن أن السلطة القضائية غير مستقلة، وذلك لا يحصل إطلاقا في الأنظمة الديمقراطية الحقيقية حيث الفصل بين السلطات الثلاث والتداول الديمقراطي للسلطة التنفيذية والتعددية السياسية التي تتطلب إشهار الأحزاب، مع وجود قانون انتخابي عصري ومتطور يقوم على القوائم النسبية والبرامج السياسية وضمان انتخابات حرة ونزيهة باعتبارها متطلبات رئيسة لقيام النظام الديمقراطي سواء كان رئاسياً أو برلمانياً. وفي هذا السياق، فإن مصطلح «الحكومة المنتخبة» الذي تطرحه بعض القوى السياسية لدينا يثير بعض اللبس والغموض لأنه قد يفهم منه أن «الحكومة المنتخبة» تعني مجرد التوسع في اختيار بعض أعضاء مجلس الأمة ليكونوا أعضاء في الحكومة، كما حصل عام 1996 مثلاً، وهو شيء مختلف تماما عن الحكومة البرلمانية التي تأتي تعبيراً حقيقياً عن إرادة الأمة وتناسب تطورنا السياسي الذي وضع أسسه الدستور.أما مصطلح «رئيس وزراء شعبي» فلا معنى له ولا يغيّر من الأمر شيئاً حيث إنه لا يعتبر إصلاحاً جذرياً للشكل الغريب لنظامنا «الديمقراطي»، بل تكريساً له.