على الرغم من التصريح الصحافي الصادر عن وزيرة المالية وزيرة الدولة للشؤون الاقتصادية مريم العقيل والمنشور بتاريخ ٢٠ يناير الماضي الذي نفت فيه وجود أي توجه حكومي للمساس بجيب المواطن متراجعة عن تصريحاتها السابقة في هذا الشأن، إلا أن الوقائع الملموسة والمعلومات المنشورة في الصحف اليومية تدحض نفي الوزيرة، بل أنها تكشف عن وجود برنامج حكومي متكامل لتحميل الطبقة العاملة والفئات الشعبية وكذلك الطبقة الوسطى أعباء عجز الميزانية عبر تشريعات مقترحة وإجراءات تنفيذية يجري إعدادها من شأنها المساس بحقوق وظيفية مكتسبة، وزيادة أسعار الخدمات الحكومية، وتقليص الدعوم تحت ذريعة توجيهها نحو مستحقيها، وفرض ضرائب غير مباشرة.
ونحن هنا لا ندعي أو نختلق أو نتحدث من فراغ، وإنما نحاول أن نكشف ما تخفيه بعض المصطلحات الفضفاضة والتعابير المنمقة في برنامج عمل الحكومة الجديدة وما نشرته الصحف المحلية من معلومات وأخبار منسوبة إلى مصادر حكومية لم يتم نفيها، ومن بينها:
أولاً: ما ورد في برنامج عمل الحكومة عن مشروع قانون إعادة هيكلة نظام الأجور في القطاع العام، وهو الاسم الجديد لما كان يسمى "البديل الاستراتيجي" المثير للجدل، وهو مشروع القانون المعروض أمام مجلس الأمة منذ العام ٢٠١٥ ومن شأنه المساس بالعديد من البدلات والعلاوات والكوادر الوظيفية، تحت ذريعة توحيدها وتنظيمها، مع محاولة تمريره تحت غطاء أنه لن يمس العاملين الحاليين وإنما سيطبق على العاملين الجدد، وهو الأمر الذي يعني بوضوح الانتقاص المباشر من حقوق وظيفية مكتسبة وخلق حالات من التفاوت بين الأجور والرواتب والمكافآت والبدلات والعلاوات بين العاملين الذين يتولون القيام بالعمل نفسه في الجهة الحكومية الواحدة، سواء كانوا أطباء أو مهندسين أو قانونيين أو مدرسين أو اطفائيين أو محاسبين أو فنيين أو إداريين أو غيرهم، ناهيك عن أن تسمية مشروع القانون تعني أنه سيطبق على القطاع العام بأكمله وليس القطاع الحكومي وحده، بحيث سيطبق على سبيل المثال على العاملين في القطاع النفطي، وهذا ما جرى تنفيذه جزئياً على العاملين الجدد فيه، وسيتم التوسع به أكثر فأكثر.
ثانياً: ما نشرته صحيفة الأنباء في عددها الصادر اليوم ٣ فبراير ٢٠٢٠ عن إعادة تسعير الخدمات الحكومية، وهو الغطاء الذي استخدم قبل سنوات قليلة لزيادة أسعار البنزين والكهرباء على غير السكن الخاص، ما يعني أن هناك زيادات جديدة سيتم إقرارها على خدمات وسلع أخرى تتمتع حالياً بالدعم الحكومي… بالإضافة إلى ما جرى نشره في الخبر ذاته عن توجيه الدعوم لمستحقيها مع إشارة خاصة لبدل دعم العمالة الوطنية في القطاع الخاص، وهذان عنوانان واسعان ومطاطان، وعلينا أن نتوقع أن يشمل ذلك البطاقة التموينية على سبيل المثال.
ثالثاً: مشروعا القانونين المعروضان أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الأمة بشأن الاتفاقيتين الخليجيتين لضريبة القيمة المضافة والضريبة الانتقائية، وهما الضريبتان اللتان بدأ تطبيقهما في السعودية والبحرين والإمارات، حيث تمثلان ضريبتين غير مباشرتين يتحملهما المستهلك بزيادة قيمة فاتورة مشترياته، وذلك في الوقت الذي تتهرب فيه الحكومة المنحازة طبقياً لمصالح كبار الرأسماليين من سن قانون للضريبة التصاعدية على الدخول الكبيرة والأرباح للشركات الكبرى والبنوك، بوصفها الضريبة الأقرب إلى معايير العدالة الاجتماعية.
إن الحركة التقدمية الكويتية عندما تميط اللثام عن المحتوى الطبقي لمشروعات القوانين والإجراءات الحكومية المعادية لمصالح الطبقة العاملة والفئات الشعبية والطبقة الوسطى، فإنها تدعو الحركة النقابية العمالية والجمعيات المهنية للمعلمين والمهندسين والمحاسبين والأطباء وغيرها إلى اليقظة وتوحيد الجهود والقيام بواجباتها الأساسية في الدفاع عن مستوى المعيشة العام وعلى نحو خاص رفض الانتقاص من الحقوق الاجتماعية والعمالية والوظيفية المكتسبة، ومراعاة مبادى العدالة الاجتماعية في فرض الضرائب.