February 2023
24

الحركة التقدمية الكويتية: في الذكرى الثانية والثلاثين للتحرير لا يستحق الكويتيون بعد كل تضحياتهم ومعاناتهم هذا الواقع البائس الذي يعيشونه اليوم

تم النشر بواسطة المكتب الإعلامي
شارك هذا المنشور

بكل فخر واعتزاز يحيي أبناء شعبنا الكويتي الأبي الذكرى السنوية الثانية والثلاثين للتحرير، التي تمثَل مناسبة تجسدت فيها كل معاني الوطنية والبسالة، استعاد فيها الوطن الكويتي حريته وسيادته بسواعد المقاومين والصامدين من شاباته وشبابه ونسائه ورجاله بعد غزو غاشم واحتلال غاصب على يد مجرمي النظام العراقي البائد.
وفي هذه الذكرى المجيدة نستعيد مآثر الشهداء الميامين من الكويتيين والكويتيين البدون والمقيمين الذين رووا بدمائهم أرض الوطن دفاعاً عن حريته وفداءً لاستقلاله، كما نستذكر تضحيات الأسرى من المدنيين والعسكريين وبطولات المقاومين البواسل، ونستعيد الروح الوثابة للوقفة الوطنية الجماعية الشجاعة لأبناء شعبنا في عصيانه المدني المشهود وصموده في وجه قوات الغزو والاحتلال الغاشم تمسكاً بحرية الكويت وسيادتها، كما نذكّر بما عاناه أبناء شعبنا الصامدون داخل الوطن والمشردون في المنافي طوال الأشهر السبعة للاحتلال، وفي الوقت ذاته فإننا بهذه المناسبة لابد أن نعبّر عن امتناننا لكل الشعوب والدول والقوى التي تضامنت مع قضيتنا الوطنية العادلة.
ولكننا أيضاً في المقابل نستذكر بأسف ومرارة عدم محاسبة المسؤولين، سواء كانوا حكوميين أم عسكريين، عن التخاذل والتقصير والتهاون والتراخي المخزي وانعدام المسؤولية وعدم الاستعداد لمواجهة كارثة وطنية كبرى بحجم الغزو والاحتلال، التي كانت مؤشراتها واضحة في التهديدات التي أطلقها النظام العراقي البائد وحشوده العسكرية المتمركزة على الحدود قبيل العدوان بأيام معدودة، وتكمن المأساة، وليس فقط المفارقة، في عودة معظم المسؤولين المقصرين والمتهاونين إلى مواقع المسؤولية والقرار من دون حساب أو عقاب أو حتى اعتذار, ما يعني أننا لم نستفد من الدروس القاسية والتجربة المريرة للغزو والاحتلال.
ويؤسفنا أكثر واقع الحال البائس الذي تعيشه البلاد اليوم بعد مرور اثنين وثلاثين عاماً على التحرير، عانت الكويت خلالها ما عانته من الدوران المرهق في حلقة مغلقة من الأزمات المتكررة، ما أدى إلى تفاقمها واستفحالها على جميع المستويات، بحيث أصبحت الكويت منذ العام ٢٠١٠ تواجه أزمة عامة ولا تزال ممتدة إلى يومنا هذا، وتعود هذه الأزمة العامة بالأساس إلى ثلاثة عوامل أساسية تتمثل في: سطوة نهج الانفراد بالقرار وعقلية المشيخة في إدارة الدولة …واحتدام الصراعات المعلنة والخفية بين مراكز النفوذ والقوى داخل السلطة وحلفها الطبقي الرأسمالي المسيطر …وتحكم المصالح الطبقية الضيقة للقوى المتنفذة المتعارضة مع مصالح الغالبية الساحقة من المواطنين، التي تسعى للاستحواذ أكثر فأكثر على مقدرات الدولة ونهبها والسيطرة على مفاصل الإدارة السياسية فيها.
ولن يخدعنا ما شهدناه خلال الأشهر الأخيرة من ادعاءات عن حدوث تغيير إيجابي في نهج السلطة وحلفها الطبقي الرأسمالي الطفيلي المسيطر, ذلك أنّ واقع الحال يدحض هذه الادعاءات، التي خدعت وأوهمت كثيرين، بينما لم تتعد كونها تغييرات شكلية وجزئية في أسلوب التعامل والتحالفات وتبديلاً للطواقم المحترقة.
فواقع الحال اليوم أنّ اقتصادنا بعد مضي اثنين وثلاثين عاماً على التحرير لا يزال اقتصاداً ريعياً تابعاً غير انتاجي يعتمد على مورد وحيد ناضب ومستنزف ومتذبذب الأسعار، رغم كل الادعاءات الكاذبة بتنويع مصادر الدخل…فيما سقطت خلال هذه السنوات كل مشروعات التنمية الوهمية، التي أطلقتها السلطة…وشهدنا تقليصاً صارخاً للهامش النسبي من الحريات، وتكريساً ممنهجاً لسياسة الانفراد بالسلطة والقرار، واستخفافاً فجًّا بالدستور، وتجاهلاً متعمداً للإرادة الشعبية ولنتائج الانتخابات النيابية، ومحاولات متكررة للانقضاض على الطابع المدني للدولة الكويتية… هذا ناهيك عن تفشي الفساد على نحو غير مسبوق من دون محاسبة جدية، إن لم يكن في ظل رعاية رسمي، حيث تعرضت أموال الدولة وأملاكها واحتياطياتها واستثماراتها الداخلية والخارجية وصناديقها إلى عمليات نهب منظمة، واستأثرت قلة طفيلية من الشيوخ والرأسماليين بمقدرات البلاد ومواردها…واشتدت معاناة الغالبية الساحقة من المواطنين والمقيمين جراء التضخم والغلاء وارتفاع الايجارات وأسعار العقار والبطالة والقروض وتردي التعليم والصحة وسوء أوضاع البنية التحتية وتجاهل حلّ قضية الكويتيين البدون ومشكلة السكن والتمييز ضد المرأة…وجرى تفتيت المجتمع الكويتي وتمزيق وحدته الوطنية عبر تأجيج النزعات الطائفية والقبلية والفئوية والعائلية، وجرت تغذية متعمدة للروح العنصرية ضد الكويتيين البدون والمقيمين، بل ضد بعض فئات من المواطنين الكويتيين أنفسهم…وتراجع هامش الاستقلالية النسبية للسياسة الخارجية الكويتية وتدنى الوزن الاقليمي للكويت في المنطقة، واشتدت التبعية للمراكز الإمبريالية الغربية.
إنّ الكويتيين بعد كل ما قدموه من تضحيات وشهداء من أجل انتزاع حرية وطنهم قبل اثنين وثلاثين عاماً لا يستحقون اليوم هذا الواقع البائس الذي يعيشونه، ولا يستحقون هذا التنكّر الجاحد، الذي مارسته وتمارسه القوى السلطوية المتنفذة تجاههم، وحان الوقت لأن تتحقق لشعبنا الكويتي الأبي تطلعاته المشروعة في وطن كويتي حرّ وناهض في إطار نظام وطني ديمقراطي مدني عادل اجتماعياً بعيداً عن عقلية المشيخة وتحكّم مصالح المتنفذين، بحيث ينعم المواطن الكويتي بخيرات بلده ويسهم في تنميتها جنباً إلى جنب مع المقيم في ظل حياة كريمة.

الكويت في ٢٤ فبراير ٢٠٢٣