الحركة التقدمية الكويتية تدعو إلى الحذر من مخاطر الاستثمارات الأجنبية
هناك هذه الأيام اندفاعة حكومية ملحوظة نحو جذب الاستثمارات الرأسمالية الأجنبية إلى الكويت ترافقها حملة ترويج إعلامية واسعة تحاول إبراز ايجابيات وفوائد الاستثمارات الأجنبية فقط، كالقول بأنّ الاستثمارات الأجنبية تساعد على اكتساب التكنولوجيا الحديثة والكفاءات الإدارية الأجنبية والأساليب التسويقية الحديثة، وخلق المزيد من فرص العمل، بينما تتجاهل هذه الحملة الترويجية الإعلامية على نحو متعمد سلبيات ومخاطر هذه الاستثمارات الأجنبية، التي كشفتها التجارب الملموسة في عدد من البلدان وأشار إليها العديد من الدراسات والتقارير الموضوعية.
وانطلاقاً من المسؤولية الوطنية، التي نتحملها فإننا ننبه هنا إلى عدد من المخاطر والسلبيات المتصلة بالاعتماد على الاستثمارات الرأسمالية الأجنبية وندعو إلى الحذر منها، ومن بينها:
أولاً: خطر تسرب الاستثمارات الأجنبية الوهمية، إذ أنّ هناك معلومات موثوقة أقرّ بها "صندوق النقد الدولي" نفسه، أي شهد بها شاهد من أهلها، بل شهد بها كبيرهم الذي علمهم السحر، تؤكد أنّ ٤٠ في المئة من الاستثمارات الأجنبية في العالم هي استثمارات وهمية، وهي أرباح منقولة إلى مواضع الضرائب المنخفضة عالمياً بغرض التهرُّب الضريبي، ولا تستخدم في أي نشاط اقتصادي (تقرير صادر عن صندوق النقد الدولي في سبتمبر ٢٠١٩ تحت عنوان "صعود الاستثمارات الوهمية").
ثانياً: إنّ مخاطر الاستثمارات الأجنبية ليست فزاعة لا أساس لها نلوّح بها، وإنما هي حقيقة ثابتة، بل أنّ العديد من دول العالم، بينها حتى الولايات المتحدة الأميركية نفسها، معقل الإمبريالية العالمية، أصدرت قوانين للتصدي لمخاطر الاستثمارات الأجنبية، بدءاً من قانون الاستثمار الأجنبي والأمن القومي لسنة ٢٠٠٧ (فينسا)، وبعده في العام ٢٠٢٢ وقع الرئيس الأميركي بايدن أمرًا تنفيذيا يقدم أول صياغة صريحة لمخاطر محددة يجب على لجنة الاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة مراعاتها... فما بالك بمخاطر الاستثمارات الأجنبية التي تحيق بالبلدان الرأسمالية التابعة والصغيرة مثل الكويت؟
ثالثاً: في الغالب فإنّ الاستثمارات الرأسمالية الأجنبية في الدول النامية تتجه نحو القطاعات الهامشية، التي تدر ربحاً وفيراً وسريعاً ( مضاربات، تجارة، مصارف...)، وهناك تجارب مأساوية معروفة كان أشهرها ما يسمى أزمة النمور الآسيوية في ١٩٩٧ شملت تايلند وأندونيسيا وكوريا الجنوبية التي تسببت فيها إلى جانب عوامل أخرى، بل فاقمتها الاستثمارات الأجنبية "الساخنة" في المضاربات والأسهم بتلك البلدان... ومن جانب آخر أقرب إلينا، فإننا نشير إلى تقرير مهم صدر عن "نشرة أخبار الساعة الصادرة عن "مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية" في يوليو ٢٠٠٦ يكشف أنه "بالنسبة إلى سوق الأسهم، فقد أثبتت تجربة أبوظبي خلال الفترة الماضية، على محدوديتها، أن الاستثمارات الأجنبية التي دخلت السوق لم تسهم لا في استقرار هذا السوق ولا في توليد طاقة إنتاجية جديدة، بل كان هدفها تحقيق ربح سريع من خلال المضاربة"... كما يشير نفس التقرير الإماراتي المهم إلى أنّ خطأ الادعاء بأنّ تشجيع الاستثمارات الأجنبية يساهم في توظيف مزيد من القوى العاملة "حيث يمثل الأجانب أكثر من ٩٢٪ من مجموع العاملين لديها، وأكثر من ٩٩٪ من العاملين في القطاع الخاص، الذي يتضمن أيضاً المنشآت والشركات الأجنبية"... وهذه دروس مهمة يجب الانتباه إليها، ومخاطر داهمة لابد من الحذر من تكرارها عندنا في الكويت.
رابعاً: في حالة الكويت، وفي ظل غياب رؤية استراتيجية تنموية وطنية واضحة المعالم تضع في الاعتبار الحاجات الفعلية للاقتصاد الوطني بحيث يمكن أن يكون الاستثمار الأجنبي عاملاً مساعداً لتنمية الاقتصاد، وليس عنصرا محددا لاتجاهات تطوره، مثلما هي تجارب بعض البلدان مثل الصين وماليزيا، فإنّ مخاطر وسلبيات الاستثمارات الرأسمالية الأجنبية تشتد، إذ تتحوّل هذه الاستثمارات الأجنبية من عامل مساعد إلى عنصر ضاغط ومقرر يفرض نفسه على حساب المصالح الوطنية، ويكرّس المزيد من التبعية للمراكز الإمبريالية.
خامساً: ميل الشركات الأجنبية نحو استيراد المواد والسلع والكفاءات البشرية من مشاريعها في الخارج على الرغم من وجودها في السوق المحلية.
سادساً: الخشية الجدية من سيطرة الشركات الأجنبية على مقدرات البلاد وثرواتها الوطنية الأساسية ومفاصلها الاستراتيجية خصوصاً النفط، ليعود بنا الحال إلى ما كان عليه قبل امتلاك الكويت لقطاعها النفطي في العام ١٩٧٥.
سابعاً: استبعاد العمالة الكويتية وعدم تشغيلها أو الاعتماد عليها، وإهمال تدريبها في مشروعات المستثمرين الأجانب، بينما سيتم في المقابل جلب المزيد من العمالة الوافدة الرخيصة، التي يسهل استغلالها.
ومن هنا فإننا ندعو الحكومة إلى الحذر من مخاطر وسلبيات الاستثمارات الأجنبية، وعدم تجاهلها وفرض ضوابط جديّة عليها... ونهيب بالرأي العام الشعبي إلى اليقظة وعدم الانخداع بحملات الترويج الإعلامية المنحازة طبقياً لمصلحة الرأسمال الأجنبي والاحتكارات العالمية.
الكويت في ٣ نوفمبر ٢٠٢٤