أزمة صحية أم أزمة نظام؟
بقلم: د.فواز فرحان*
تتلخص أزمتنا الرئيسية الكويتية في وجود نظام دستوري أعرج ومنقوص الديمقراطية ممثلاً بدستور (الحد الأدنى) و وجود سلطة غير مؤمنة بالديمقراطية وتستغل هذا النظام الدستوري لعرقلة التطور الديمقراطي للبلد ولخدمة مشروعها الخاص والمتمثل بتحويل الكويت إلى دولة مشيخة مكتملة الأركان. وهذه الأزمة الرئيسية لها مظاهر وآثار جانبية عديدة في مختلف مفاصل الدولة ومؤسساتها كقطاع التعليم وقطاع الإسكان والقطاع البيئي والقطاع الصحي وغيرها من القطاعات، وحل هذه الآثار الجانبية والمظاهر لابد أن يكون من خلال إصلاح سياسي ودستوري شامل وجذري وعميق وليس من خلال حلول وإصلاحات سطحية أو تجميلية تخفف من حدة استفحالها ولا تعالج أسباب ظهورها وبروزها.
ومشكلة القطاع الصحي أو الأزمة الصحية تعتبر من مظاهر أزمتنا الرئيسية في البلد، بل هي أحد أكثر الأزمات أهمية بسبب احتكاكها المباشر بحياة الناس وجودة هذه الحياة، ولا يخفى على الجميع أن النظام الصحي عندنا متخلف إذا ما قورن بالأنظمة الصحية في الدول المتقدمة أو حتى الكثير من الدول النامية، فآخر المستشفيات تم بناؤه في أوائل الثمانينات، والمباني نفسها لم تعد صالحة للاستخدام الصحي عالي الجودة بالمقاييس العالمية...ونظام الرعاية الأولية (المستوصفات) قاصر جداً مما يثقل كاهل المستشفيات والمراكز التخصصية بحالات غير محتاجة إلا لرعاية ممتازة في نطاق المستوصفات... والتجهيزات الطبية وأجهزة المختبرات ومعدات أقسام الأشعة لا تتناسب والعدد الهائل المتصاعد من المحتاجين للرعاية الصحية.... والعيادات الخارجية مزدحمة جداً وتصل المواعيد في بعضها إلى أكثر من سنة(!)... وعدد الأطباء وتنوّع اختصاصاتهم لم يصل بعد للنسبة المطلوبة التي تحددها الدراسات العالمية لنصل إلى المستوى المطلوب من الرعاية الصحية... وتخلّف وسائل الاتصال بين الوحدات المخافرة من مختلف التخصصات... ونوعية هيئة التمريض ومستوياتها العلمية وخبراتها المتدنية والتي تتسبب في الكثير من المشاكل والمضاعفات للحالات المرضية...ومستوى النظافة ومكافحة العدوى داخل المستشفيات وصل إلى درجة كارثية، بحيث بات الدخول لبعض وحدات العناية المركزة نوعاً من النعي للمريض!
كل هذه وغيرها من المشاكل تنخر في عظم الجسد الصحي الكويتي. هذا على مستوى الجانب الذي يمس المرضى؛ وأما على الجانب الذي يمس الأطباء فهناك العديد من العقبات والمشاكل التي تؤثر على مستوى أدائهم وخبراتهم مثل مشاكل الابتعاث والتخصصات الطبية داخل وخارج الكويت من حيث صعوبة انضمامهم لبرامج التخصص وعرقلة حالات الابتعاث وتدخّل المحسوبية والواسطة في ذلك وتعسّف بعض برامج الاختصاص داخل الكويت سواء في طريقة الاختبارات أو في عدد سنوات الاختصاص وقصور بعض هذه البرامج من حيث المستوى التدريبي أو وضوحها من الأساس(!)... وهناك بالطبع مشاكل تتعلق بعدد ساعات العمل الطويلة غير مدفوعة الأجر ومشاكل الرواتب وتدنيها مقارنة مع دول كثيرة ناهيك عن تعرض الكثير من الأطباء لمحاولات الإهانة اللفظية والاعتداءات الجسدية من غير وجود حماية حقيقية لهم.
و رغم وجود هذه المشاكل التي تتحمل السلطة مسؤوليتها، إلا أننا يجب ألا نتغافل عن تخلي (الجمعية الطبية) عن مسؤوليتها تجاه التدخل للضغط على السلطة ممثلة بوزارة الصحة لوضع حلول لهذه المشاكل، حيث تحولت إلى أداة سلطوية تخدم جهات متنفذة في الوزارة وإلى مركز يعشش به المستنفعون والساعون للمناصب الوزارية ولعضوية اللجان الوزارية المختلفة! وكذلك تحوُّل بعض الاستشاريين ورؤساء الأقسام في الوزارة إلى أشخاص تتلاعب بهم شركات الأدوية الخاصة مقابل مؤتمر هنا أو سفرة سياحية هناك أو إلى مناديب يطبقون الأجندات الخاصة لوكلاء الوزارة! وفي هذا السياق يجب ألا نتناسى الأدوار الفردية الإصلاحية لبعض هؤلاء الاستشاريين وبعض رؤساء الأقسام في خضم هذا الكم الهائل المستشري في وزارة الصحة.
لجأت السلطة إلى حلول ترقيعية وتجميلية كثيرة لمحاولة التغلب على استفحال هذه الأزمة الصحية مثل إنشاء المباني الصغيرة الملاصقة للمستشفيات للتغلب على مشكلة عدد الأسرة وعدد العيادات الخارجية، وبعض هذه المباني لا ترقى إلى مسمى (شبرة) ناهيك عن المستوى المتدني لاحترازات الأمان ومنع الأخطار! ، كما لجأت هذه السلطة بمستوى تخطيطها المتخلف إلى إجراءات مثل التفريق العنصري بنوعية العلاج والأدوية بين الكويتيين وغير الكويتيين وبعض المشاريع الرجعية، وكذلك فصل المستشفيات والعيادات على أساس الجنسية لمحاولة التخفيف عن الكويتيين متناسية أو غير واعية للنتائج السلبية على المستوى الصحي لغير الكويتيين والذين يشكلون عصب القوى العاملة، ولم أتطرق للبعد الإنساني الحقوقي لهذه الإجراءات لأن هذا البعد غير وارد نهائياً في حسابات هذه السلطة، كما اعتمدت السلطة على تبرعات الخيّرين لرفع المستوى الصحي في البلد وكأننا في بلد فقير أو موبوء بل الأنكى من ذلك هو تفاخرها بهذه التبرعات كما سمعنا على لسان وزير الصحة قبل أيام. والمثير للضحك المخلوط بالأسى هو أن أول تصريح لهذا الوزير بخصوص رفع المستوى الصحي في البلد كان حول إنشاء (أجنحة فندقية) في المستشفيات تقدّم خدمات بمستوى مرموق للمتنفذين وللطبقة البرجوازية القادرة على الدفع لهذه الأجنحة على نفس سياق كلام ماري أنطوانيت عندما قالت: (لماذا لا يأكلون البسكويت) كردة فعل على علمها بوجود مظاهرات تطالب بالخبز!
الأزمة الصحية في البلد لن تجد لها حلاً جذرياً إلا من خلال إصلاح سياسي ودستوري شامل يؤدي إلى اكتمال الديمقراطية حيث يختار الشعب حكومته التي يستطيع محاسبتها على عدم النهوض بالقطاع الصحي وبالقطاعات الأخرى عموماً، ولكننا لا ننفي كذلك أهمية التحرك على مستوى أقل أولوية من المستوى السياسي من خلال وجود (جمعية طبية) تضغط على الوزارة لوضع الحلول وكذلك تشاركها في وضع هذه الحلول وليس من خلال (جمعية طبية) تابعة للسلطة وللأطراف المتنفذة في وزارة الصحة وتستنفع من هذه التبعية!
-----------------------------------
*عضو التيار التقدمي الكويتي.