أين لنا مثل هبيرة؟!!
بقلم: عبدالهادي الجميل*
يقال بأن أمريكا قد كسبت الحرب الباردة عبر دفع الإتحاد السوفييتي، بشكل أو بآخر، إلى وضع الرجل غير المناسب في المكان غير المناسب!
ولو نظرنا في سيرة دولة الخلافة الأموية لوجدنا خير مثال على ذلك، فعندما أحسن الخلفاء اختيار الرجال الأكفياء للمناصب العليا، بلغت الدولة غاية ازدهارها واتّساعها حتى امتدت رقعتها من جنوب فرنسا وحتى شرق الصين.
ففي عهد الخليفة الوليد بن عبدالملك (705م- 715م) رشّح الحجاج بن يوسف الثقفي( والي العراق) الشاب قتيبة بن مسلم كي يصبح واليا على خراسان فوافق الخليفة على الترشيح ولم يقل: منو هذا قتيبة؟ لا لا، حطّوا ولدي مكانه.
لم يخيّب قتيبة ظن الحجّاج، فقد زحف شرقا واكتسح جميع الأراضي والممالك التي في طريقه حتى فتح مدينة كاشغر التي تقع الآن في مقاطعة تينجيانغ الصينية.
كانت الصين في تلك الفترة إمبراطورية هائلة، ولهذا قرر قتيبة مفاوضة الإمبراطور وتخييره بين الإسلام أو الجزية أو الحرب. فأرسل وفدا ضم 10 من خيرة رجاله وأشجعهم وأكثرهم وسامة وحنكة، ولم يكن من بينهم أخ له أو خال أو عم أو ابن أخت أو أحد من جماعته أو من فخذه، وجعل هبيرة بن المشمرج الكلابي على رأس هذا الوفد. وعندما وصلوا إلى مدينة الإمبراطور قاموا بلبس الملابس الحريرية البيضاء وتضمّخوا بالطيب وتزيّنوا ثم انطلقوا للقصر الإمبراطوري الذي كان مكتظا بوجهاء الصين.
تجاهل الإمبراطور وجود الوفد العربي، فنهضوا وغادروا البلاط إلى مقر إقامتهم في الريجنسي. فالتفت الإمبراطور إلى مستشاريه وسألهم:
- ما رأيكم بهم؟
فقالوا: ويييييع، خلّهم يولّون، هيلق طايح حظهم.
في اليوم التالي لبس أعضاء الوفد الملابس الفاخرة والعمائم الثمينة ودخلوا إلى البلاط، وقبل جلوسهم طُلِب منهم المغادرة، فعادوا مرة أخرى إلى الفندق. وقام الإمبراطور بسؤال مستشاريه نفس السؤال، فقالوا:
- غيّروا هدومهم بس للحين يلوّعون الجبد.
في اليوم الثالث دعاهم الإمبراطور لزيارته، فلبسوا عدّة القتال وامتطوا صهوة جيادهم، وعندما دخلوا إلى باحة القصر شاهدهم قائد الحرس، فصرخ في جنوده:
- يا حرص يا حرص، اشفيهم هضولا؟ طلّعوهم برّه، لا يدشّون.
وأخبر الإمبراطور الذي نظر إليهم عبر النوافذ وكان أبطال العرب يتفننون في استعراض مهاراتهم في القتال والمناورة على ظهور جيادهم العربية الأصلية، فهاله المنظر، وسأل مستشاريه:
- ما رأيكم بما شاهدتموه؟
فقال المستشارون: والله يا طويل العمر ما شفنا مثل هذا!
فأمر الإمبراطور بإحضار هبيرة وسأله عن مغزى ما فعلوه في الأيام الثلاثة الماضية؟
فقال هبيرة: في اليوم الأول ارتدينا ما نرتديه في بيوتنا وعند نسائنا، وفي اليوم الثاني ارتدينا ما نرتديه في مجالس الأمراء، أمّا اليوم الثالث فارتدينا ما نرتديه عندما نقابل أعداءنا.
فغضب الإمبراطور وصرخ بهبيرة: مسوّي نفسك حكيم؟ قم اذلف، وخذ ربعك وطسّوا لبلادكم وقول لحاكمكم الأشهب: يقولك الإمبراطور: أنا أعرف قلّة عدد جيشك وحرصك على الحياة وزينتها، فلا تخلّيني أدمّر بلادك وأقتلك، لكن ابلع العافية قبل لا أخلّي آذاني وآذانك أربع!
تخيّلوا لو أن أحد وزراء خارجية مجلس التعاون مكان هبيرة، اشكان بيرد؟!!
تفرّس هبيرة في وجه الإمبراطور وقال دون أن يرف له جفن: الجيش الذي يكون مقدم خيله في بلاطك وأخره في منابت الزيتون(الشام) لا يمكن أن يكون قليل العدد، والحريص على زينة الحياة الدنيا لا يتركها وراءه ويأتي ليواجه جيوش الصين الهائلة. أمّا إهلاكنا وقتلنا، فإن لنا آجالا اذا أتت فأكرمها عندنا القتل، ولسنا نكرهه ولا نخافه!
فذُهل إمبراطور الصين من ثبات هبيرة وشجاعته، وهو ليس سوى مندوب سلام، فكيف سيكون الحال مع قادة الجيوش والمحاربين؟ فوافق على دفع الجزية، فعمّ الفرح والسرور بين أعضاء الوفد، وأرسلوا واتساب يبشّرون قتيبة بالنصر بس كانت الخدمة مقطوعة عنده.
وكان باقي على موعد طيّارة العودة ليلتين، فـ زرق أعضاء الوفد إلى شانغهاي للاستجمام والمساج والشوبينغ.
سقطت الخلافة الأموية عام 750م عندما تولى الحكم الخليفة مروان بن محمد المشهور بمروان الحمار الذي أبعد أكفياء أهل الشام عن تولّي المناصب العليا للدولة وقصرها على الخاصة والمقرّبين وروّاد ديوانيته.
__________________________________________
*عضو في التيار التقدمي الكويتي