وليد الرجيب: تنمية مستدامة أم تنمية إنسانية؟ (2 من 2).
سقتُ في المقال السابق الفرق بين التنمية المستدامة والتنمية الإنسانية، وتاريخ تطوّر المفهوم أو المصطلح، وذكرت أن مفهوم التنمية الإنسانية أوسع وأشمل من مفهوم التنمية المستدامة، فهي تتضمن الثقافة والبيئة والتدريب والمهارات، ونوعية الحياة. ويشير «تقرير التنمية الإنسانية العربية»، من خلال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي UNDP لعام 2003 تحت عنوان «نحو إقامة مجتمع المعرفة»: رغم شيوع استعمال «التنمية البشرية» بالعربية human development، الذي جاء به برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في مطلع تسعينات القرن الماضي ومثل نقلة نوعية في الفكر التنموي، إلا أن «التنمية الإنسانية» عندنا تعريب أصدق تعبيراً عن المضمون الكامل والأصيل للمفهوم، تقابل تقريباً ما اصطلح عليه في وقت سابق بعبارة «تنمية الموارد البشرية»، وذلك ما يسمح به ثراء اللغة العربية، فعلى حين تستعمل كلمتا البشرية والإنسانية تبادلياً في العربية، يمكن إنشاء تفرقة دقيقة بين الأولى كمجموعة من الكائنات، والثانية كحال راقية من الوجود البشري، وهذه التفرقة هي أساس تفضيلنا لمصطلح «التنمية الإنسانية بالعربية»، والتنمية الإنسانية هي نهج أصيل في التنمية الشاملة المتكاملة للبشر وللمؤسسات المجتمعية تستهدف تحقيق الغايات الإنسانية الأسمى: الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.فهل هذا المفهوم يمكن تطبيقه في بلداننا العربية التي تفتقر لأبسط هذه الغايات السامية، مثل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية؟ فنحن ما زلنا نفكر في تنمية الحجر فكلما ارتفعت أبراج على الأراضي الخليجية وإن كانت فارغة من السكان، أو يصعب على مواطنينا دفع إيجاراتها أو شرائها، قلنا اننا حققنا تنمية وتقدما، فلم تفكر دولنا رغم المليارات المرصودة للتنمية في -مفهوم السلطات- للتنمية الإنسانية التي يكون محورها الإنسان، ولذا فنحن أبعد ما نكون عن مفهوم التنمية الأصيل، بل ربما ذلك ما جعلنا في آخر الصفوف التي وصلت إليها المجتمعات المتقدمة.ومن الواضح أن المؤسسات الأممية ومفكري العالم بمن فيهم العرب، قد بدأوا يدركون أهمية الحرية والديموقراطية الحقيقية للاقتراب من التقدم الاجتماعي، فحتى هذه المؤسسات التي يسيطر عليها نفوذ النظام الرأسمالي، أصبحت لا تستطيع الهروب من استحقاقات شمولية الحاجات الإنسانية، ويكفي أن نلقي نظرة سريعة على مقدمة تقرير UNDP تقرير التنمية البشرية للأمم المتحدة 2013 بعنوان «نهضة الجنوب..تقدم بشري في عالم متنوع»، الذي دعا لمراجعة نقدية على مستوى مؤسسات الحكم من أجل بناء عالم المساواة، وضرورة وجود خيارات جديدة للشراكة في هذا العصر، وشدد على أهمية دور المجتمع المدني وإشراك أكثر الفئات تعرضاً للتحديات في اتخاذ القرار وهم الأشد فقراً وضعفاً في العالم.وهذا يعني أن المؤسسات الأممية لا ترى مناصاً من الحرية والعدالة وإشراك الشعوب في اتخاذ القرار من أجل تنمية بشرية على مستوى العالم، ورغم تجاهل كل الدول بما فيها دولنا العربية والخليجية لمثل هذا التشخيص الجريء والشفاف، كما أنها ظلت على حالها لا تفكر بأي شكل من الأشكال بالانحياز للإنسان وللثقافة، بل تقع دولنا الغنية بالنفط في أسفل قائمة الدول التي تسعى للتقدم والتنمية.وأتساءل هنا كيف لدولة تعتبر نفسها متقدمة تنموياً مثل اندونيسيا أن تتمسك بمفهوم التنمية المستدامة الذي أصبح من التاريخ؟ وأتساءل أيضاً أين نحن في دولة الكويت من هذا المفهوم الإنساني الذي يرتكز على الإنسان وثقافته وحريته وكرامته، وحقه بالمعرفة والاطلاع، والمشاركة الفعالة في شؤون البلاد؟ويبدو أن من يضع خطط التنمية وملياراتها في بلدنا يفكر في شيء واحد فقط، هو كيف يمكن تنفيع المقربين والفئة المتنفذة والفاسدة، وأظنه مازال يقف ليس عند التنمية المستدامة، بل مازال متوقفاً عند قضية بناء مدرسة أو مستشفى، والأوامر التغييرية التي تعني ضخ مزيد من الأموال في جيوب المنتفعين.إن الحل بات واضحاً أنه يكمن بالعدالة الاجتماعية بمعناها المضاد للسياسات الاقتصادية النيوليبرالية الرأسمالية، وتحقيق المساواة وتكافؤ الفرص، وإقامة مجتمعات ديموقراطية يكون المواطن فيها شريكاً أصيلاً في القرار، وإلا سيحتدم صراع طبقي يبدو أن غباره آت من بعيد، ليعيد الاعتبار لمجتمع إنساني حر وسعيد ومتقدم ولكن على أشلاء شيء ما.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
_________________________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 16\11\2013 العدد:12556