وليد الرجيب: نجم.
لم يكن «ثورجياً» ولا يسارياً ولا مناضلاً في البداية، بل كان يكتب شعراً عاطفياً عن البُعد والهجر لحبيبته «ابنة عمته»، التي لم يستطع الزواج منها لاختلاف الوضع الطبقي بينهما حيث كانت عائلتها غنية وعائلته فقيرة.بعد أن عمل فلاحاً لسنوات طويلة، عمل في معسكرات الجيش الإنكليزي في أعمال وضيعة عدة، ثم التقى بمدينة «فايد» إحدى مدن القناة التي يحتلها الإنكليز بعمال المطابع من الشيوعيين المصريين «حدتو»، وفي هذه اللقاءات اكتسبت معاناته الطبقية والوطنية معنى فشارك مع الآلاف في مظاهرات عام 1946 حيث أسس الشيوعيون «اللجنة الوطنية العليا للطلبة والعمال» وأعجب بكفاح الشيوعيين الفدائيين ضد العدوان الثلاثي في بورسعيد وتفانيهم من أجل الوطن وأعجب بهم وساعدهم بنفسه.وهذا الوعي الوطني والطبقي الذي بدأ يتفتق جعله يعلّم نفسه بنفسه، ويقول: «ارتبطتْ رواية الأم لمكسيم غوركي في ذهني ببداية وعيي الحقيقي والعلمي بحقائق هذا العالم، والأسباب الموضوعية لقسوته ومرارته ولم أكن قد كتبت شعراً حقيقياً حتى ذلك الحين... كنت أعيد اكتشاف الواقع حيث كان التناقض الطبقي بشعاً».وفي عام 1959 الذي شهد ضربة قاسية تعرض لها اليسار المصري على يد السلطة، اعتقل مع مجموعة من العمال بتهمة التحريض والمشاغبة حيث تعرضوا إلى ضرب مبرح استشهد على اثره أحدهم، وظلت ندوب الضرب والتعذيب على جسد نجم حتى توفي.وبعد خروجه من السجن سكن في غرفة فوق السطح في «بولاق الدكرور» وعمل في منظمة التضامن الأفروآسيوية، وفي حارة «خوش قدم» كما كانت تسمى بالتركية أو «حوش آدم» بالمصرية التقى بالشيخ إمام وسكنا معاً ليصبحا سريعاً ثنائياً معروفاً، فنجم يكتب والشيخ إمام يلحن ويغني، واستطاعا إثارة الشعب لمقاومة الاستعمار العالمي، ثم كل حُكم استبدادي منحازين إلى العمال والطلبة والفلاحين بوعي طبقي ذي نفس يساري واضح، وسجنا مراراً وتكراراً في زنازين اليساريين أنفسهم، وكان أول ديوان اشتهر لأحمد فؤاد نجم هو «صور من الحياة والسجن» الذي قدمت له «سهير القلماوي» ليشتهر نجم وهو في السجن خاصة وأن الأجواء الثورية واليسارية كانت طاغية في المجتمع المصري.عاش الشاعر أحمد فؤاد نجم الذي رحل يوم 3 ديسمبر الجاري عن 84 عاماً في ظروف قاسية جعلته متمرداً غاضباً، ولكن احتكاكه باليساريين في مصر بلور وعيه وأصبحت بوصلته واضحة، فوظّف غضبه ضد الاستعمار والظلم الاجتماعي الطبقي في شعره الذي أبرزته ألحان وأغاني الشيخ إمام، فأصبحا رمزاً للثورة وصوتاً لها وللعمال والطلبة والفلاحين وجميع المستغَلين، وإن ظل التمرد قريباً من العبثية إلا أنهما لاحظا الفائدة الكبيرة والتأثير الطاغي للفن عندما يعبر عن معاناة وآمال الشعب، عندما يكون منحازاً للإنسان.واجتاحت الأشعار والأغاني الوطن العربي بأكمله، وخاصة بعد هزيمة حزيران 1967 التي أعطت لأدواتهما الفنية نضجاً أكبر، ومن أشهر الأغاني في حب الوطن «مصر يمه يا بهية» وأشهر الأغاني حول النضال الأممي «غيفارا مات»، وأشهر الأغاني ضد الامبريالية الأميركية والعالمية «شرفت يا نيكسون بابا يا بتاع الووترغيت» و«فاليري جسكار ديستان» والكثير من الأغاني التي أصبحت جزءاً من التراث الثوري المصري والعربي، والتي ألهمت ثوار ما يسمى بـ «الربيع العربي» فاستحضروها، بل استحضروا التراث الفني والشعري الوطني لشاعر الشعب سيد درويش وكذلك بيرم التونسي.في الختام ليس من المهم أن يكون الراحل أحمد فؤاد نجم منتمياً لحزب يساري، ولكن الأهم أنه كان يعبر عن وجهة نظر اليسار في حب الوطن والدفاع عنه وعن الكادحين والفقراء، ويكره النخبويين والمثقفين المتعالين على هموم الإنسان البسيط.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
___________________________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 07/12/2013 العدد:12577