وليد الرجيب: من المستفيد؟
قلت في مقال سابق إن المختلفين حول ما يحدث في مصر سيحاولون البحث عن أي دليل لإثبات وجهة نظرهم، بينما كنا وما زلنا نخشى أن يكون مصير الجيش المصري مثل مصير الجيشين العراقي والسوري، وأكثر ما نخشاه هو فتنة تدمر الشعب المصري مثلما دمرت الشعبين العراقي والسوري، كل ذلك لصالح التفوق الإسرائيلي.
إن استخدام العنف والقتل هو أخطر ما تتعرض له الثورات العربية التي لم تكن على هوى أميركا والغرب وإسرائيل، فبالأمس تم اغتيال المناضل الناصري التونسي محمد البراهمي وقبله المناضل التونسي شكري بالعيد وهما من زعماء التيار الشعبي المعارض، كما اغتيل الناشط الليبي عبدالسلام المسماري بعد خروجه مباشرة من مسجد في بنغازي، وتشير أصابع الاتهام إلى جماعات إسلامية، بعد أن استولى حزب النهضة في تونس على السلطة وظهور جماعات إسلامية متشددة في ليبيا، وخرجت بعدها في مصر تهديدات لشخصيات سياسية بأن يتعرضوا لمصير البراهمي وبالعيد.و حدث يوم جمعة «لا للإرهاب» في 26 يوليو الجاري الكثير من العنف في ساحات وميادين مصر، راح ضحيتها العشرات من بينهم رجال شرطة ضباطاً وأفراداً، كما قتل في سيناء على يد إرهابيين جنود من الجيش المصري، وتم القبض على كميات كبيرة من الأسلحة والمتفجرات بعضها محلية الصنع وبعضها مهرب من دول أخرى، ما يهدد سلامة المواطنين المصريين ويعيد السيناريو الذي يحدث في كل من العراق وسورية، ويُراد له أن يحدث في تونس وليبيا.لقد استطاعت أميركا وإسرائيل والغرب تقسيم مواقف الشعوب العربية وقواها الوطنية وحتى اليسارية من الثورة السورية، وأحداث العنف والتطرف التي حطمت الآلة العسكرية السورية، عن طريق اختلاق فتنة أصبحنا جميعاً ضحايا لها كشعوب عربية، ونخشى أن تُنفذ مثل هذه الفتنة في مصر التي ستكون تداعياتها خطيرة على الشعوب وقواها الوطنية والتقدمية، والمستفيد الوحيد هو التفوق الإسرائيلي وتحقيق المصالح الأميركية.فمنذ موجة 30 يونيو الثورية والشارع العربي وقواه السياسية منقسمة بين الثورة والانقلاب، والدليل على ذلك أنه على النقيض تماماً من جميع القوى الوطنية والليبرالية واليسارية والاشتراكية المصرية، خرج بيان من «الاشتراكيين الثوريين» الذين يتبنون الفكر التروتسكي داعياً لعدم خروج الجماهير في يوم 26 يوليو على اعتبار أنه تفويض للجيش للعودة للنظام القديم وقمع الحريات وإراقة الدماء، وفي الوقت الذي رفضت فيه كل القوى السياسية في مصر هذا البيان قامت قناة الجزيرة بإذاعته على أنه موقف اليسار المصري وأشادت به لأنه يتطابق مع رأي جماعة الاخوان، وأيضاً في خطوة مشابهة أدان هذا الحزب اعتداء الجيش على المتظاهرين قرب الحرس الجمهوري، بينما طالبت جميع القوى السياسية بالتحقيق في هذه الحادثة ومن تسبب فيها رغم الشواهد والدلائل، وهذه المواقف من التروتسكيين هوجمت من شبابها وأعضائها على صفحات الفيس بوك، وتسببت في استقالات من الحزب.ولعب الغرب وفي مقدمهم الولايات المتحدة على مشروع الفتنة في مصر، فصورت وسائل الإعلام الأميركية والغربية ما يحدث على أنه انقسام في الشعب المصري، بينما في الحقيقة هو انقسام بين طائفة أو جماعة وبين بقية الشعب المصري.ففي مشهد جميل يدل على تلاحم جميع فئات الشعب المصري دقت أجراس الكنائس في لحظة آذان المغرب يوم 26 يوليو، كما صام المسيحيون تحت شعار «من أجل مصر».ورغم أن الدعوة للبقاء في الميادين جاءت من القوى التقدمية ومنذ ما قبل 30 يونيو حتى لا يتكرر خطأ 25 يناير عندما تركت الميادين بعد تسلم المجلس العسكري للسلطة بما فيها الدعوة للنزول إلى الميادين في 26 يوليو، إلا أن وسائل الإعلام الغربية ووسائل التواصل الاجتماعي صورت الأمر على أنه استجابة لدعوة عبدالفتاح السيسي.قلقي شديد على مصر وشعبها، وخشيتي أشد من انقسام شعوبنا العربية وقواها السياسية وانسياقها للمخطط الأميركي الإسرائيلي لتفتيت الشعوب العربية واضعاف قواها الوطنية وإجهاض ثوراتها وإرادتها في التحرر والديموقراطية والتخلص من التبعية.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
منقول عن جريدة الراي تاريخ 29\07\2013 العدد:12446