وليد الرجيب: خطوات في نفق الظلام.
بعد أن صدر حكم المحكمة بسجن المنسق العام لائتلاف المعارضة النائب السابق في البرلمان الكويتي مسلم البراك خمس سنوات مع الشغل والنفاذ، توالت ردود الفعل المباشرة محلياً وعربياً وعالمياً من خلال وسائل الإعلام ووكالات الأنباء والتي يحتل بعضها مكانة عالمية مرموقة، إضافة إلى جمهور واسع من الكويتيين المطالبين بالإصلاح السياسي والنظام الانتخابي ومكافحة الفساد.هذا ولا تُعتبر مسألة سجن البراك حالة فردية شاذة، بل هناك عدد من المحكومين من الشباب المغردين، وآخرين ينتظرون المحاكمة على خلفية اشتراكهم في حراك شعبي سلمي من أجل التطور الديموقراطي وحماية البلد ومقدراتها من المتنفذين الفاسدين وسراق المال العام، أو على خلفية تغريدة في تويتر.ويأتي هذا الحكم القاسي بالسجن في الفترة الزمنية ذاتها التي قدمت الحكومة خلالها مشروع «قانون الإعلام الموحد» الذي يكمم الأفواه ويقضي على ما تبقى من حرية الرأي والتعبير لاقراره في مجلس الأمة، إضافة إلى الملاحقة السياسية لعدد من النواب السابقين والشباب وقمع المسيرات بعنف لم تشهده دولة الكويت في تاريخها، ما يعني أنه نهج بوليسي شامل واستبداد لا يتناسب مع تاريخ الديموقراطية والحريات في الكويت.ومن متابعتنا لوسائل الإعلام الأوروبية والأميركية، إضافة إلى المنظمات الحقوقية الدولية يتضح مدى اطلاعها عن كثب للانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان ولكل المعاهدات والمواثيق الدولية التي وقعت عليها دولة الكويت.ولا يقتصر الأمر على ذلك بل إن هناك تمادياً في زج القضاء واقحامه في الصراع السياسي، ينبئ عن نزعة انتقامية حكومية من المعارضين والناشطين سياسياً من خلال استخدام القانون والتعسف بتطبيقه، وقد اتضح ذلك من خلال ما ظهر في الصحافة اليومية من شهادات زور وعدم كفاية أدلة الإدانة والضغط على الشهود لتغيير شهاداتهم، حيث أبى بعض الشرفاء إلا أن يشهدوا بالحق، ويكشفوا زيف إدعاءات وزارة الداخلية وتضليلها للرأي العام في قضايا عدة منها قضية دخول المجلس التي قسّمت المجتمع الكويتي وفتّتت مكوناته ونشرت البغضاء بين أفراده، بل استغرب واستنكر العديد من القانونيين وأساتذة القانون الأكاديميين تلك الملابسات التي أحاطت بمحاكمة مسلم البراك وأدت إلى افتقارها أبسط مقومات المحاكمة العادلة، في ما عدّوهُ تجاوزاً على مواد الدستور والقانون.ولأن السلطة عازمة على السير في نهج الانفراد بالقرار، فهي إضافة إلى ما ذكرنا تعد لتشريع قوانين جديدة لفرض مزيد من القيود على الحريات، مع ضمان إقرارها من «مجلس الصوت الواحد» الفاقد لشرعيته الشعبية والسياسية، بل إن بعض الاقتراحات الموجهة ضد الشعب الكويتي جاءت من بعض أعضاء هذا المجلس المخجل لتاريخ الكويت السياسي والديموقراطي ولمبدأ الحريات والعدالة والمساواة وتكافؤ الفرص.ويبدو في هذا المجال أن الحكومة قد أساءت قراءة موقف المعارضة والحراك الشعبي، وظنت أنها استطاعت دق اسفين بين المعارضة وبين القوى السياسية وبالأخص الوطنية، عن طريق أفراد مدسوسين مهمتهم مهاجمة المعارضة وبعض القوى السياسية الوطنية في محاولة لتفتيتها وإضعاف الحراك الشعبي، وهؤلاء الأشخاص باتوا معروفين لدى أبناء الشعب الكويتي، وكُشفت محاولاتهم المشبوهة في بث الفرقة والخلاف بين قوى المعارضة والقوى السياسية أيضاً.ولكن الحكومة بخطوتها الحكم على مسلم البراك بالسجن ستعيد الحيوية للحراك الذي ظنت بتقديرها الخاطئ أنه انتهى، وفي ظننا أن الحراك المنتفض من أجل حقوقه الدستورية والديموقراطية ومطالبه من أجل التطور الديموقراطي سيزداد زخمه مع كل خطوة ضد انتهاك الدستور وتقييد حريات الشعب.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
منقول عن جريدة الراي تاريخ 17/04/2013 العدد:12343