وليد الرجيب:عزوف المرأة عن المشاركة السياسية.
لقد أكدت في مقالي السابق على أهمية الدراستين المنشورتين في «مجلة العلوم الاجتماعية» المحكّمة، التي تصدر عن مجلس النشر العلمي بجامعة الكويت في عددها الثالث للعام 2013م، وقد تناولتُ في ذلك المقال دراسة الدكتور علي الزعبي، وفي هذا المقال سأتناول دراسة الدكتورة سهام القبندي حول «عزوف المرأة الكويتية العاملة عن المشاركة السياسية»، وهي الدراسة التي طبّقت على كلية العلوم الاجتماعية بجامعة الكويت.وقد حظي موضوع مشاركة المرأة السياسية أو عزوفها عنها باهتمام العديد من الدارسين والباحثين والمهتمين بشؤون المرأة، سواء في الجمعيات النسائية المختلفة ومؤسسات المجتمع المدني أو الأحزاب والتنظيمات السياسية وأُشبع نقاشاً وبحثاً، لكن دون أن يبدو أن هناك تغيّراً ملحوظاً في موضوع تمكين المرأة أو حصولها على جميع حقوقها السياسية الاجتماعية والثقافية، وذلك للتعقيدات التاريخية التي صاحبت مكانة المرأة في المجتمع والقوانين والأعراف والتقاليد، أي الثقافة بشكل عام، إذ لا يقتصر هذا الأمر على شعوب الشرق فقط ولكن مرت به كل المجتمعات البشرية منذ تقسيم العمل الأول في المجتمعات البدائية.وساهم العديد من الجمعيات النسوية في هذا الأمر وصورته على انه صراع بين الرجل والمرأة، بينما أكدت الدكتورة سهام على مبدأ وحقيقة أساسية وهي «أن قضايا المرأة لا تكون أبداً بمعزل عن قضايا وتحديات المجتمع بأسره»، وان تحررها ونيلها لحقوقها مرتبط بتحرر المجتمع، كما أكدت الدكتورة سهام في دراستها «أن الحرمان من ممارسة الحقوق السياسية، وحرية الفكر وإبداء الرأي يعد مأساة كبيرة على المستوى الفردي والمجتمعي، بل يخلق أوضاعاً اجتماعية وسياسية مضطربة، ويغذي الصراع والعنف داخل المجتمعات والشعوب، فأساس الحرية والعدل والسلام هو احترام حقوق الإنسان وإعطاؤه الحق في تقرير مصيره واتخاذ قراره بنفسه»، وهنا الباحثة تشمل في رأيها هذا المجتمع بأسره وليست فئة النساء فقط.وأثارت الباحثة نقطة مهمة هي «أن الأنشطة السياسية ظلت لفترة طويلة من الزمن حكراً على القيادات النسائية، التي تملك السلطة في المواقع المهمة أو التطوعية»، وفي هذا الأمر تحليل طبقي رغم أنها لم تتوسع في مفهوم «تملك السلطة»، فليس من المفترض الا تحوز المرأة ذات الانتماءات الطبقية الفقيرة والمهمشة على قيادة الأنشطة السياسية في الكويت.وتخلص الباحثة القبندي في المحور الرابع بدراستها والمخصص لـ «معوقات المشاركة السياسية للمرأة الكويتية العاملة» لمعوقات عدة منها على سبيل المثال، «ذكورية ثقافة الدولة والصفوة السياسية الحاكمة، حيث يعد شيوع السياسة الأبوية الذكورية عائقاً أساسياً أمام تبوؤ المرأة الكويتية أدواراً فاعلة وإيجابية، وكذلك الصراعات التفسيرية والتأويلية حول حقوق المرأة عموماً في نظام الشريعة الإسلامية، أو التشكيك في مسألة أهلية المرأة للولاية العامة، على الرغم من وجود فتاوى عدة تتصدى لذلك»، وتشير كذلك إلى أن «الدور المتدني للمرأة، هو أحد نواتج تصور تقليدي ومحافظ وفهم يعود لبعض مكونات الموروث الثقافي، وبعض أنماط التديّن الشعبي»، وهنا نضع خطاً تحت مصطلح «التدين الشعبي».كما تشير سهام القبندي إلى نقطتين مهمتين في المعوقات وهما «ضعف الثقة بين السلطة والمرأة»، والمعوق الآخر المهم هو «نمو العنف السياسي بدلاً من النظام الديموقراطي والأعراف الاجتماعية التي تحد من التنمية السياسية، وعدم الثقة في المشاركة السياسية للمرأة».ولا تعفي الباحثة «ضعف الدعم الحزبي للمرأة وهشاشته، حيث ان معظم الأحزاب في الكويت لا تقدر دور المرأة وإمكاناتها في العمل العام»، كما تشير إلى «تقلص دور منظمات المجتمع المدني في اتخاذ التدابير اللازمة لحل المشكلات التي تواجه عمل المرأة السياسي».ويحتوي البحث ونتائجه على تحليلات كثيرة ومهمة وجريئة، لا يمكن حصرها في مساحة هذا المقال، لكني أنصح الرجل والمرأة والتنظيمات السياسية وتلك التي تعنى بشؤون المرأة، بقراءة هذه الدراسة القيمة بتجرد وبعقل منفتح دون موقف أوتقييم مسبق.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
___________________________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 19/10/2013 العدد:12528