وحش الفساد له رأس
تقلقنا المعلومات التي ترد بالصحافة اليومية، وتشعرنا بعدم الأمان وغموض المستقبل خاصة لأبنائنا وأحفادنا، فما يصلنا وما يتكشف لنا من حجم الفساد هائل، وربما كان الخافي أعظم.سلّمنا بفساد بعض المتنفذين الذين يعتبرون البلد عزبتهم الخاصة، والذين نهبوا بطرق مختلفة المال العام واحتياطي الأجيال القادمة، وهيمنوا على الأراضي الزراعية والصناعية والسكنية، واستأثروا بالمناقصات بمحاصصة تآمرية وتواطؤ مع أقطاب حكومية، في ظل اقتصاد طفيلي وريعي غير منتج يتمثل بعملية تجارية متخلفة، وهي بيع النفط واستيراد السلع والبضائع، ولأن هؤلاء الفاسدين يدركون كما يدرك أي إنسان أن الثروة النفطية آيلة للنضوب والزوال، فإنهم يغرفون من العائد بطرق مختلفة وبأسرع وقت من دون وازع وطني أو شعور بالمسؤولية، وبلا مبالاة بمستقبل الوطن.والفساد يمكن القضاء عليه إذا كان محصوراً بهذا الشخص أو ذاك، أو في ذلك الجهاز الحكومي أو ذاك، لكن عندما يتحول الفساد إلى حالة عامة ونهج يومي ويستشري في كل مفاصل الدولة، وبحماية الأجهزة الأمنية أحياناً، هنا يكمن القلق وعدم الشعور بالاستقرار والأمان، فالفساد لدينا وحش له رأس وأذيال.أليس القانون هو ملاذنا والضامن للحفاظ على أرواحنا، وهو المنوط به كشف الفساد ومكافحته؟ فما بالك إذا كان الفساد ينخر بالجهاز الأمني ذاته؟ فالأخبار التي تردنا من الصحف، نحن المواطنين العاديين، بشكل يومي تقريباً، تكشف لنا فضيحة فساد أبطالها رجال الأمن ذاتهم، وأنا بالتأكيد لا أشك بأن هناك رجال أمن لديهم حس عالٍ بالوطنية ويستحقون منا كل تقدير.فآخر ما وصلنا من حكايات الفساد هو تهريب أحد الخليجيين الذي ضُبط مسلحاً في منفذ النويصيب على يد قيادي بالداخلية، وقبلها فضيحة عشرات الآلاف من الإقامات المضروبة للوافدين التي اشترك بها متنفذون ورجال من الداخلية، وفضيحة اختفاء آلاف الطلقات والذخائر من مخازن الداخلية، وفضيحة اتلاف الخمور حيث اختفت عشرات الآلاف من الزجاجات باتلاف مزعوم.وبالأمس القريب كشف النائب الفاضل كامل العوضي، الذي كان من رجال الداخلية الشرفاء، عن سبب المشكلات المرورية من ازدحام واختناق مروري إلى حوادث مروعة، وهو أن في الكويت الصغيرة عدداً مهولاً من السيارات يبلغ الملايين، فسبعة آلاف وافد يمتلكون نحو 40 ألف سيارة بواقع أربع سيارات أو أكثر لكل منهم، كما أن ثلاثة خليجيين يملكون 2843 سيارة، وأربعة كويتيين يملكون 4328 سيارة عدا عن مكاتب الأجرة تحت الطلب والتي يصل عدد سياراتها إلى 13190 سيارة.هذه المشكلة تفتح الأسئلة على مصراعيها، مثل كيف يحصل بعض الوافدين ذوي الأجور المتدنية على رخص قيادة ويمتلكون سيارة؟ وكيف يجري السماح للسيارات القديمة والمتهالكة للسير في شوارع الكويت وكيف تباع، وهذا عكس ما يحصل في دول متقدمة من تحديد لعمر السيارة المستوردة، بل كشفت الكمائن المرورية عن وافدين بلا رخص قيادة أو إقامة.وبالحديث عن المخالفات المرورية والحوادث المروعة، والتي لا تلعب المصادفة دوراً رئيسياً بها، بل الرعونة والطيش والاستهتار من الجميع سواء الشباب أو الوافدين الذين لا يحسنون القيادة، ومع ذلك حصلوا على رخص قيادة بطريقة لا تبدو شرعية، بل أن بعض دوريات المرور تجوب شوارع الكويت بطريقة تعطي المثال للمستهترين، مثل استعمال أضواء الطوارئ فوق دوريات المرور لتفسح لها السيارات الطريق من دون مبرر أمني، أو إيقاف فتيات ونساء يقدن سياراتهن فقط لمجرد التحرش بهن، أو تستخدم سيارات المرور كتف الطريق من دون مبرر أمني.فعندما يكون لوحش الفساد رأس يكون له ذيل كذلك، فمعظم مشكلات البلد سببها الفساد، سواء رداءة الطرق أو الازدحام المروري والمخالفات، وهذا ينطبق على كل الخدمات والأجهزة الحكومية التي لا تجري معاملات من دون رشوة أو واسطة، وكذلك الأغذية الفاسدة وتجارة الإقامات، والقائمة تطول.osbohatw@gmail.com
______________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 05\03\2014 العدد:12665