توجهات الحركة التقدمية الكويتية في ظل الوضع الاستثنائي وخلال الفترة المقبلة
في هذه المرحلة الفاصلة من تاريخ بلدنا بعد أن وصلت الأزمة السياسية التي أرهقت البلاد خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة إلى ما وصلت إليه، يهمنا توضيح أننا سبق أن حذرنا من مغبّة تداعيات الأزمة على مصالح الشعب وحقوقه ومن انعكاسات ذلك على حاضر الوطن ومستقبله، ونبّهنا أكثر من مرة إلى خطورة صراعات مراكز النفوذ في السلطة وما قد تؤدي إليه من تداعيات سلبية على الحياة السياسية، وطالبنا مرات عديدة بضرورة وضع حدّ للفساد السياسي والإداري والمالي ولسوء الإدارة لما أحدثته وتحدثه من تشويه للعمل السياسي في الكويت لا يخدم سوى مصالح شخصية ضيقة وذلك على حساب المصالح العامة... وقد دعونا باستمرار إلى إنهاء تحكّم المصالح الطبقية الضيقة للقوى المتنفذة على القرار، وأشرنا بالتفصيل إلى ما تعانيه المنظومة السياسية للدولة سواء الانتخابية أو النيابية أو الحكومية من ثغرات ونواقص وسلبيات واختلالات، وكنا نركّز دوماً على أهمية الإصلاح السياسي الديمقراطي ضمن الإطار الدستوري كمدخل وشرط لأي إصلاح، ولكن للأسف كان البعض يجر المشهد نحو صراعات على هوامش ومسائل جزئية خدمةً للمستفيدين من التعطيل والتخريب.
وبالتأكيد واستناداً إلى القاعدة المعروفة بأنّ المسؤولية إنما تكون على قدر السلطة، فإنّ المسؤولية عما حدث للبلاد من تراجع في مختلف المجالات وما عانته من أزمات حقيقية ومفتعلة لا يتحمّله عموم الناس، وإنما تتحمّله بالأساس تلك الأطراف التي كانت في مواقع القرار التنفيذي والتشريعي، والتي أوصلت البلاد إلى ما أوصلتها إليه، وهي من يجب أن تُحاسب على كل ضرر ألحقته بالدولة.
وفي السياق ذاته، فلقد سبق لنا أن أوضحنا أنّ دستور ١٩٦٢ هو مكسب تاريخي وطني وشعبي يجب الحفاظ على مكتسباته وتطويرها، ولكنه دستور الحد الأدنى، وأن ما يعنينا فيه بالأساس ونتمسك به وندافع عنه أكثر من أي أمر آخر هو ما يكفله الدستور للناس من حقوق ومكتسبات سياسية واجتماعية واقتصادية وما يضمنه من حريات وما يضعه من أسس لتنظيم المشاركة الشعبية وترتيب لعمل مؤسسات الدولة رغم نواقصها ورغم ما تعرضت له من إفراغ متعمّد لمضامينها الديمقراطية طوال السنوات الستين الماضية وما شهدته الحياة الدستورية والنيابية من تعطيل في ١٩٧٦ و١٩٨٦ وما نتج عن ذلك كان دليلاً على حاجتنا للتغيير، ولذا فقد كنا ندعو إلى ضرورة الحفاظ على المكتسبات الدستورية وتطويرها وصولاً إلى دستور ديمقراطي لنظام برلماني متكامل الأركان يكفل هذه الحقوق والحريات ويعززها، وينظم الحياة السياسية على نحو مؤسسي ديمقراطي، وذلك بالالتزام بالأسس والقواعد المقررة دستورياً.
واليوم، وفي ظل الظروف الاستثنائية الراهنة والأوضاع المستجدة، بعد تعليق عدد من مواد الدستور وتعطيل الحياة النيابية، فإنّنا نؤكد ما كنا ولا نزال نتمسك به وندعو إليه من أسس ومنطلقات وتوجهات تتمثّل في الآتي:
أولاً: التأكيد على إطلاق الحريات العامة، وبالأساس حرية الرأي والتعبير والنشر والاجتماع، وعدم التضييق عليها، وضمان حقّ المعارضة والاختلاف والرأي الآخر، وتجنّب العودة لنهج الملاحقات السياسية، التي توسعت دائرتها في الفترة الأخيرة مترافقة مع حملات تحريض ضد الآراء السياسية المخالفة، ما من شأنه تسميم الأجواء السياسية وخلق حالة غير معهودة من الترهيب تجاه طرح الرأي الآخر.
ثانياً: ضمان المشاركة الشعبية وعدم الانتقاص منها، والتأكيد على أهمية رقابة الرأي العام الشعبي على الحكومة، خصوصاً في ظل غياب مجلس الأمة.
ثالثاً: مراعاة الاعتبارات المقررة في الدستور بشأن تنقيحه، وبالأساس ما قررته المادة ١٧٥، التي لم يتم وقف العمل بها، بشأن مبادئ الحرية والمساواة، التي لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح للمزيد من ضمانات الحرية والمساواة.
رابعاً: عدم المساس بالمكتسبات الشعبية وتحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة وتكافؤ الفرص وتحسين مستوى المعيشة، والابتعاد عن السياسات والقرارات والتشريعات المنحازة طبقياً مثل الخصخصة وتصفية القطاع العام، وإلغاء الدعوم للطبقات الشعبية، وفرض الضرائب غير العادلة إجتماعياً مثل ضريبة القيمة المضافة، والتراجع عن تأميم النفط بعودة الشركات النفطية الأجنبية للمشاركة في الثروة النفطية.
خامساً: الجدّيّة وعدم التهاون في مكافحة الفساد السياسي والإداري والمالي، وتأكيد الرقابة المالية على المناقصات والعقود الحكومية ومنع المبالغة في تسعيرها واستغلال ما يسمى بالأوامر التغييرية.
سادساً: الإسراع في معالجة القضايا والمشكلات العامة المتمثلة في الإسكان، والتضخم، ومحدودية فرص للعمل، وتدني الخدمات العامة، وتردي البنية التحتية، وتراجع التعليم، ومعاناة الكويتيين البدون، ومعالجة التركيبة السكانية، ومعالجة قضايا الجنسية الكويتية بعيداً عن الانتقائية مع تمكين القضاء من الولاية على قرارات سحب الجنسية، وإلغاء مظاهر التمييز ضد المرأة.
سابعاً: الالتزام بالخط الاستقلالي المتوازن للسياسة الخارجية الكويتية، وبالموقف الكويتي المعهود برفض التطبيع مع الكيان الصهيوني.
وفي الختام، فإننا حرصاً على أمن الكويت واستقرارها نؤكد على أهمية تماسك الجبهة الداخلية والوحدة الوطنية لمجتمعنا، وذلك على أسس الحرية والديمقراطية والمواطنة الدستورية المتساوية والعدالة الاجتماعية، وندعو الجميع إلى تحمّل مسؤولياته وتوفير الظروف المناسبة لتجاوز الأوضاع الاستثنائية والأزمة السياسية في أقرب وقت ممكن، وعودة الحياة الدستورية والنيابية والتوافق على إجراء الإصلاحات السياسية المستحقة ضمن الأطر الدستورية وفي ظل مناخ ديمقراطي سليم.