تعليق الحركة التقدمية الكويتية على القرار الاستثنائي الصادر عن سمو ولي العهد
لا يخفى على أحد ما عانته الكويت خلال نصف القرن الأخير بدءاً من العام ١٩٧٦ وما برز بعد ذلك على نحو أشد خلال ربع القرن الأخير منذ العام ٢٠٠١ من تداعيات سلبية جراء التنافس المحموم بين مراكز القوى المتنفذة والطامحة داخل السلطة، التي أدّت إلى تعطيل الحياة الدستورية فترات ليست قصيرة من الزمن، وتسببت كذلك في تراجع أحوال البلاد؛ وتخريب المؤسسات، وخرق القوانين، وتفشي الفساد واستغلال النفوذ والتنفيع وشراء الولاءات، واستخدام المال السياسي في الانتخابات، وسوء الإدارة العامة للدولة؛ وتجاوز الإجراءات المعتمدة والاستثناءات في تعيين قيادات إدارية غير كفوءة، وتعطيل مصالح المواطنين؛ وانتشار الواسطة والمحسوبية وتشكّل ظاهرة ما يسمى "نواب الخدمات"؛ وتدني الخدمات العامة؛ وضعف الأداء الحكومي، وغير ذلك من مظاهر خطيرة بالغة السوء تعود بالأساس إلى تنافس الطامحين وصراعات مركز القوى والنفوذ.
وهذا ما كان يقتضي أن يوضع حدّ له عبر تحييد مؤسسات الدولة والمناصب القيادية بدايةً من رئاسة الوزراء عن أن يتم استغلالها لصالح تعزيز مواقع هذا الطرف أو ذاك من مراكز القوى والنفوذ المتنافسة كوسيلة لتسهيل وصول بعض الطامحين إلى مبتغاهم، وذلك بالتجاوز على الأسس الدستورية، ويعود ذلك للقصور في المنظومة السياسية في الكويت ما أنهك الدولة والشعب وحال دون تلبية طموحات شعبنا في دولة مدنية حديثة ديمقراطية عادلة إجتماعياً تنجز فيها مهمات الإصلاح والتطوير والتنمية.
ونحن، مثلما هو ثابت في مواقفنا المعبّرة بالأساس عن مصالح الفئات الشعبية والمتعارضة مع مصالح القلّة المستأثرة بمقدرات البلاد، بما فيها مراكز القوى والنفوذ المتنافسة والطامحة، نرفض الانحياز لطرف أو لآخر، وندرك مدى خطورة صراعات مراكز النفوذ التي تخاض من خلال مؤسسات الدولة وبالتجاوز على الدستور والقوانين، وكنا ولا نزال نحذّر من خطورة شراء الولاءات عبر الأموال العامة وعلى حساب مصالح الشعب والدولة، وندعو دوماً إلى الاحتكام للدستور وأحكام قانون توارث الإمارة ذي الصفة الدستورية، مثلما حدث في أزمة العام ٢٠٠٦.
ولئن صدر أمس قرار استثنائي لا سابق له من سمو ولي العهد المفوّض بعدد من الصلاحيات الأميرية بوقف قرارات التعيين والترقية والنقل والندب والإعارة في جميع أجهزة الدولة، بحيث جمّد هذا القرار الحكومة، التي تمادت في استخدام صلاحيات التعيينات والترقيات الاستثنائية والنقل والندب والإعارة لتحقيق مصالح ضيقة تخدم أجندات بعض القوى في إطار الصراع على النفوذ والسلطة، فإنّ الحكومة هي التي تتحمّل أولاً وقبل أي طرف آخر مسؤولية التعامل مع هذا القرار باعتباره توجيهاً كتابياً من ولي العهد لتصحح مسارها، وعليها أن تلتزم بالدستور والقانون ومصلحة الدولة والشعب وتوقف العبث بالتعيينات والترقيات والنقل والندب والإعارة، وأن تعتمد مبدأ تعيين الكفاءات والمستحقين بدلاً من مبدأ الولاء والطاعة والمصالح الشخصية الضيقة، وهذا ما يفرض على مجلس الوزراء مسؤولية وضع قرار ولي العهد في إطار دستوري سليم وذلك بإصدار قرار من الحكومة ذاتها في هذا الشأن، مثلما يفترض أن يكون، مع إعادة النظر في شأن تجميد التعيينات العادية للشباب الكويتي من الجنسين المرشحين لتولي الوظائف العامة من ديوان الخدمة المدنية المنتظرين على طابور التوظيف، وكذلك الترقيات المستحقة قانونياً وإدارياً، التي لا صلة لها بالتعيينات والاستثناءات والترقيات في المناصب القيادية.
إنٌ الكويت اليوم تمر في فترة تاريخية مفصلية، ضمن وضع إقليمي ملتهب وحساس وفي ظل وضع دولي متبدّل يشهد تحولات تستعر فيها الصراعات على نحو لا تحتمل معه الكويت أي شقاق في الوضع الداخلي بسبب صراعات لم يعد شعبنا يطيقها، فقد آن الأوان لنتجاوز الحالة التي يتعلق فيها مصير الوطن والشعب بمصالح عدة أشخاص متصارعين على مصالحهم الخاصة، ويجب اليوم أكثر من أي وقت مضى التوجّه نحو استكمال مشروع بناء الدولة الحديثة وذلك بإجراء إصلاحات ديمقراطية وتغييرات جذرية في المنظومة السياسية وخصوصاً على مستويي النظام الانتخابي والوضع الحكومي.
ومن هذا المنطلق، تدعو الحركة التقدمية الكويتية أعضاء مجلس الأمة لتحمّل مسؤولياتهم في هذه الفترة الدقيقة والحساسة بالتصدي للعبث بمصير الشعب وللممارسات المخالفة للدستور وقوانين الدولة، ومحاسبة كل من استغل سلطاته لمصالح خاصة ومن أجل تحقيق طموحاته الشخصية، والدفع بجدية لإصدار تشريعات يتطلبها مشروع الإصلاح السياسي الديمقراطي، وعليهم تولي مسؤولية الدفاع عن مصالح الناس وحرياتهم واحتياجاتهم.
كما تدعو الحركة التقدمية الكويتية القوى السياسية والتجمعات الفاعلة والحيّة في المجتمع للقيام بدورها في الحفاظ على المكتسبات الشعبية والدستورية وتعزيزها وتوسيعها وعدم السماح بالتعدي عليها أو الانتقاص منها تحت أي مبرر، والتصدي للمتربصين من المتنفذين الفاسدين الذين يحاولون استغلال ما يحدث لتحقيق مآربهم الخاصة، مع ما يتطلبه هذا الدور من القوى السياسية والتجمعات الفاعلة والحية في المجتمع من توحيد للصفوف وتنسيق للجهود وعمل سياسي منظم.
الكويت في ٧ ديسمبر ٢٠٢٣