استحقاق تطوير الحراك الشعبي إلى حركة ديمقراطية
بقلم: د.فواز فرحان*في الدول ذات الأنظمة مكتملة الديمقراطية يكون التغيير من خلال العمل البرلماني بمساندة الرأي العام الجماهيري بينما في الدول ذات الأنظمة شبه الديمقراطية أو غير الديمقراطية يكون التغيير بالأساس من خلال الشارع عبر النضال الجماهيري وربما بمساندة العمل البرلماني إن كان له أفق أو هامش يمكن الضغط من خلاله، والنضال الجماهيري يبدأ كحراك شعبي احتجاجي تكون سمته العامة ردود الأفعال تجاه ممارسات السلطة وينتقل تدريجياً بحسب ظروف نضوجه إلى حراك سياسي منظّم يتبنى مشروعاً سياسياً واضحاً ومحدداً تضعه الطلائع السياسية الواعية ويأخذ زخمه من استجابة الجماهير له. هكذا يجب أن نفهم طبيعة حركات الإصلاح والتغيير تاريخياً و واقعياً حتى نستطيع التحرك بخطوات علمية في طريق نضالنا نحو نظام ديمقراطي برلماني كامل في الكويت.
بدأ الحراك الشعبي الكويتي الحالي كحراك احتجاجي على ممارسات السلطة وامتاز بردود الأفعال تجاه مستجدات معينة، كلنا رأينا ردة فعل الشارع تجاه فساد الحكومات منذ عام ٢٠٠٦ والمتمثل باستشراء إفساد السلطة لواقعنا من خلال المال والواسطة والمحسوبية وإثارة الصراعات الفئوية، ورأينا ردة فعل الشارع ممثلة بمسيرات كرامة وطن تجاه استفراد السلطة بتغيير قواعد اللعبة الانتخابية من خلال مرسوم الصوت الواحد، ورأينا ردة فعل الشارع من خلال الاعتصامات والمسيرات الصغيرة تجاه الملاحقات السلطوية للناشطين السياسيين المعارضين من نواب سابقين ومن شباب مستقلين أو منتمين لتيارات سياسية، ولا يمكن فصل هذا الحراك الحالي عن التراكمات النضالية للشعب الكويتي منذ قمع أعضاء المجلس التشريعي الأول في عام ١٩٣٨ وحتى حركة دواويين الأثنين بالثمانينات مروراً بالنشاط السياسي المعارض للقوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية في فترة الستينات والسبعينات، ولكن هذا الحراك يظل في إطار الحراك الاحتجاجي والذي يتصف بشبه العشوائية وتتداخل معه الكثير من التناقضات والأمراض الاجتماعية المتمثلة بالفئوية والطائفية وكذلك تضعف تصاعده أحياناً المصالح الشخصية لبعض أطرافه.
أصبح تحوّل هذا الحراك وتطوره إلى حراك سياسي ديمقراطي منظّم أو بوصف أدق إلى حركة ديمقراطية استحقاقاً تاريخياً تتحمل مسؤوليته الطلائع السياسية الواعية ممثلة بالتيارات السياسية وكذلك بالحركات الشبابية ذات الشكل التنظيمي حتى ولو كان محدوداً، هذا التحول والتطور مهم جداً للخروج من الحلقة المفرغة التي بات يدور بها الحراك الاحتجاجي الحالي ومن حالة اليأس التي بدأت تلوح بوادرها على الناشطين والفاعلين في هذا الحراك، واستحقاق هذا التحويل والتطوير يقوم على عاتق الأطراف السياسية المعارضة من خلال وضعها لمشروع سياسي مرحلي تتوافق عليه لتبدأ نضالها المنظّم على أساسه، وحتى يكون لهذا المشروع زخم جماهيري يجب أن يركز على النقاط الأساسية المهمة لتطوير نظامنا السياسي والدستوري نحو نظام ديمقراطي برلماني كامل والمتمثلة في: وجود أحزاب سياسية، تداول ديمقراطي للسلطة، ضرورة نيل الحكومة ثقة البرلمان، اختيار رئيس مجلس الوزراء والوزراء من بين أعضاء كتلة أو حزب الغالبية في البرلمان، أن يكون رئيس الدولة حَكَماً بين السلطات لا طرفاً في المنازعات السياسية.
إذا تبنت الأطراف السياسية المعارضة هذه المطالبات كمشروع سياسي مرحلي فإنها ستنطلق موحدةً لتشكيل رأي عام مؤيد لهذا المشروع بهدف تغيير موازين القوى لصالح الضغط على السلطة بهدف استكمال النظام الديمقراطي البرلماني الكامل، وهذا الانطلاق يحتاج إلى صبر ومثابرة وابتعاد عما يشتت قوى المعارضة من مطالبات جانبية غير توافقية مثل المطالبة بتطبيق الشريعة أو بدستور إسلامي أو غيرهما، وكذلك يتطلب هذا الانطلاق وعياً من هذه الأطراف السياسية المعارضة بأدوات وأساليب السلطة لضربها وتفريقها من خلال إثارة النعرات الفئوية والطائفية والقبلية والمناطقية وكذلك وعياً بضرورة تغليب المصلحة العامة لشعبنا وبلدنا على المصالح الضيقة الخاصة والتي حتماً ستتضرر بتضرر المصلحة العامة.
نتمنى لحراكنا الشعبي النضوج والتطور تلبيةً لطموحات شعبنا وخدمة لوطننا.--------------------------------* عضو التيار التقدمي الكويتي