سد بوزك... أنت في بلد ديموقراطي
استذكرت قبل أيام مقولة أحد الوزراء السابقين أثناء نقاشه مع أحد النواب، حين قال للنائب: «سد بوزك أنت في بلد ديموقراطي». هذه المقولة - مع الأسف - ترجمت اليوم كواقع، فقد أصبحت ديموقراطيتنا التي نص عليها الدستور بوضوح في المادة السادسة صورية لا طعم لها ولا رائحة، بعد اقرار العديد من القوانين المقيدة للحريات، فالديموقراطية ليست مجرد انتخابات، بل هي ممارسة مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالحريات، فمن دون الحرية تصبح الديموقراطية صورية. الحرية هي الاساس لنجاح العملية الديموقراطية، ونحن في الكويت كنا وما زلنا نفتخر بأن لدينا هامشاً كبيراً من الحرية يحسدنا عليه أقراننا في الدول المجاورة، فقد كفل الدستور الحرية الشخصية كحق مطلق، وكفل كذلك حرية الاعتقاد وحرية الرأي والبحث العلمي كحقوق مطلقة، بينما نص على أن حرية الصحافة والطباعة والنشر والتعبير عن الرأي بالقول أو الكتابة مكفولة على أن ينظمها القانون، والتنظيم لا يعني أبداً تقييد تلك الحريات... ما حدث ويحدث لدينا هو التقييد لا التنظيم، إذ جرى إقرار العديد من القوانين التي تقيد بل تنتهك الحريات، فعلى سبيل المثال؛ نص الدستور بكل وضوح على أن حق التقاضي مكفول للناس، بينما جاء قانون المحكمة الادارية لينتهك هذا الحق الأصيل الذي لا يجوز التنازل عنه عندما منع الناس من التقاضي في أمور سحب وإسقاط الجناسي وترخيص الصحف ودور العبادة وابعاد الوافدين، حيث لا يحق للمواطن في حال تم اسقاط جنسيته على سبيل المثال أن يمارس ذلك الحق الذي كفله الدستور! لم يكن ذلك القانون الأول أو الوحيد، فآخر تشريعات مجلس 1967 «المزور» كان قانون جرائم أمن الدولة، الذي فرض قيوداً على حرية التجمع فأعطى الحكومة الحق بفض أي تجمع يزيد على خمسة أشخاص، كما جرّم نشر المبادئ والافكار، وتوسع في تجريم حالات التعبير عن الرأي من خلال بنود عائمة كتقويض النظام الاقتصادي والاجتماعي، والاساءة للدول وغيرها من قيود، كما جاءت قوانين المطبوعات والنشر، والاعلام المرئي والمسموع، والاعلام الالكتروني لتحمل في طياتها قيوداً تحد من حرية التعبير، وتضع عقوبات مشددة كالسجن وتصل أحياناً للاعدام، فهي مرتبطة بقانون الجزاء وقانون أمن الدولة، لذلك نرى اليوم احكاماً قاسية بالسجن لبعض المغردين بسبب انتقادهم لبعض الدول أو انتقادهم للسياسة الاقتصادية للحكومة باعتبار انهم يقوضون النظام الاقتصادي للدولة! كذلك يأتي قانون جمعيات النفع العام الذي يفترض به تنظيم تلك الجمعيات، حيث ينص دستورنا على أن حرية تكوين الجمعيات والنقابات مكفولة وينظمها القانون، بينما الواقع أن ذلك القانون يقيد حرية تكوين تلك الجمعيات، فالحكومة تملك الحق برفض تأسيس تلك الجمعيات، كما أن لها الحق في حلها ومصادرة أموالها، فلا يحق لتلك المؤسسات أن تمارس دورها بنشر الوعي السياسي في المجتمع، فإن حدث أن أقامت أحدى الجمعيات ندوة سياسية جاءها الحل مباشرة بقرار من وزارة الشؤون، وهذا ما حدث مع نادي الاستقلال عام 1977 بسبب الموقف الرافض للانقلاب على الدستور. كل تلك القوانين وغيرها الكثير، تنتهك الحقوق وتقيد الحريات التي كفلها الدستور، أصبحت عائقاً أمام الديموقراطية وتطورها، ولا أخفي سعادتي بمبادرة الاخ العزيز النائب عمر الطبطبائي بتبنيه هذه القضية وطلبه عقد جلسة خاصة لمناقشة تلك القوانين، ولكن الواقع يقول إن ميزان القوى مختل ويميل لمصلحة الحكومة، وأن المعركة ضد هذه القوانين المقيدة للحريات ليست معركة نيابية فقط... بل هي معركة تحتاج لتعبئة الرأي العام وخلق حالة من الضغط الشعبي لالغاء تلك القوانين السيئة، وإلغاء عقوبة السجن نهائيا في حالات قضايا التعبير عن الرأي، وهنا يأتي دور الجماعات السياسية المدنية والديموقراطية والشخصيات الوطنية، ومؤسسات المجتمع المدني المؤمنة بالحريات، فالمسؤولية الكبرى تقع على عاتقها... فقد وصلنا لمرحلة يخاطبنا فيها القانون قائلاً: «سد بوزك... انت في بلد ديموقراطي».بقلم الدكتور حمد اسماعيل الأنصاري جريدة الراي الكويتية٦ مارس ٢٠١٨