مشروع ائتلاف المعارضة بين الواقع والطموح
بقلم: د. فواز فرحان*
لا يحدث التغيير في أي مجتمع إلا إذا تعارضت مصالح الطبقة المسيطرة عليه مع مصالح الطبقات الأخرى وأصبحت عائقاً أمام تطورها... وفي الكويت تتعارض مصالح الحلف الطبقي المسيطر على العموم ومصالح أقوى طرف فيه ممثلاً بالأرستقراطية العشائرية (السلطة) ونهجها على الخصوص مع التطور الديمقراطي الذي يطمح إليه الشعب وبالأخص الموظفين أو العاملين بأجر والفئات الشعبية ومحدودة الدخل. بدأ الحراك الشعبي في الكويت احتجاجياً ضد ممارسات سلطوية معينة ونجح في بعض مطالباته وأخفق في بعضها الآخر بسبب موازين القوى على الساحة السياسية، وتطور لاحقاً ليبدأ بأخذ الشكل المنظّم الذي يحمل نواةً لمشروع سياسي واضح بمطالبات محددة تتلخص باستكمال النظام الديمقراطي البرلماني في ظل إشهار الأحزاب وقانون انتخابات عادل نسبياً مع إصلاحات دستورية عميقة، وكان أوضح مثال على هذا التطور في الحراك نشوء ما يسمى بائتلاف المعارضة؛ ولي هنا وقفة تحليلية ونقدية من منطلق إيجابي وإصلاحي.
كان للتقدميين دور واضح في بداية تأسيس ائتلاف المعارضة من خلال مساهمتهم الفاعلة في إعداد بيان إعلان تأسيسه، ومن خلال الاجتماعات الأولى تشكل انطباع عند التقدميين بأن هناك خللاً بنيوياً في تركيبة الائتلاف مما سينعكس سلباً على طريقة عمله وبالتالي على النتائج المتوقعة منه؛ ومن أبرز ملامح هذا الخلل: أولاً عدم وجود تعريف واضح للتيارات السياسية المشاركة فيه وكذلك انعدام الهيكل التنظيمي لأغلبها وتركز القرار عند أشخاص فيها مما يُضعف التعويل على قراراتها مستقبلاً والتي قد تكتنفها المصالح والنزعات الشخصية وهذا يسري على ما يسمى بكتلة الأغلبية، ثانياً عدم وجود تعريف واضح لماهية التجمعات الشبابية في هذا الائتلاف خصوصاً مع ظهور واختفاء أو اضمحلال تجمعات شبابية كنا نراها بالساحة السياسية وبالتالي عدم ضمان استمرارية التجمعات الشبابية الحالية في الائتلاف، ثالثاً وجود ازدواجية العضوية في الائتلاف وفي غيره من الجبهات والتحالفات مما يوحي بوجود مصالح شخصية قد تنعكس على عمل الائتلاف لاحقاً، ورابعاً وأخيراً عدم إعلان بعض مكونات الائتلاف موقفاً واضحاً من المشاركة في انتخابات الصوت الواحد المجزوء من عدمها في بداية تأسيس الائتلاف مما يطرح تساؤلاً مستحقاً عن جدوى مشاركتها بالائتلاف في حال وجود نية مستقبلية لخوض الانتخابات.
وأثبتت التجربة صحة تشخيص التقدميين لمواطن الخلل في تكوين الائتلاف مع بروز الكثير من التناقضات والمواقف مثل: انقسام حزب الأمة إلى قسمين متناقضين في موقفهما من بعض ما يطرحه الائتلاف مما يؤكد النزعة الشخصية في الإدارة، انقلاب موقف بعض النقابات المشاركة في الائتلاف مما أدى إلى تجميد عضويتها، تهلهل ما يسمى بكتلة الأغلبية من خلال كسر بعض أعضائها لاتفاق عدم المشاركة في انتخابات الصوت الواحد مثل عبدالله الطريجي الذي أصبح عضواً في مجلس الأمة ومحمد هايف الذي حرّض على المشاركة بالتصويت وكذلك موقف هذه الكتلة المُبهم من الإصلاحات السياسية والدستورية الجذرية، مواقف أعضاء الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) المثيرة للجدل والشك في آن واحد مثل حديث النائب السابق جمعان الحربش عن عدم قطع الاتصال بالسلطة وعدم استبعاد مشروع إسلامي موازٍ لمشروع ائتلاف المعارضة وعدم رضا السيدة خولة العتيقي عضو الأمانة العامة في (حدس) عن مقدمة مشروع الائتلاف والتي وصفتها (بالقاسية) ضد الحكومة ومقالات مبارك الدويلة (جنرال حدس) المؤيدة لرئيس الوزراء الحالي وكذلك تلميحات أسامة الشاهين عن عدم جدوى مقاطعة الانتخابات.
استمر رفض التقدميين للمشاركة في المكتب السياسي لائتلاف المعارضة بسبب عدم تغيُّر قناعتهم حتى الآن بتعثر عمله مستقبلاً بسبب هذه التناقضات الناتجة عن هذا الخلل البنيوي فيه إلا أنهم أسهموا من واقع تحملهم للمسؤولية ومن خلال (رؤية التيار التقدمي الكويتي للإصلاح الديمقراطي) برفد مشروع الائتلاف بالمادة الأساسية وكذلك بالتعليقات والتعديلات على مسودات هذا المشروع، إلا أنهم ظلوا يعتقدون أنه في ظل هذا الخلل البنيوي في مكونات ائتلاف المعارضة لا جدوى للحديث عن تأييد مشروعه من عدمه لأن المشكلة ليست في محتوى المشروع ولكنها في المكونات التي ستتبناه وفي طريقة عملها على الوصول إلى أهدافه، من وجهة نظري أن مشروع الائتلاف سيتحول من مشروع إصلاح حقيقي إلى مجرد ورقة انتخابية ستستخدمها بعض مكوناته في أقرب انتخابات إن لم يتم إصلاح هذا الخلل البنيوي فيه و وضع حد و حل للنقاط التي ذكرتها في الأعلى.
---------------------------------------
*عضو التيار التقدمي الكويتي.