ماركسية التيار التقدمي
بقلم: د.فواز فرحان*
يطلق بعض الناشطين سياسياً بين الفينة والأخرى بعض التعليقات على التيار التقدمي الكويتي تنم إما عن جهل أو تدليس، من أشهر هذه التعليقات القول إن هذا التيار هو تيار شيوعي أو ماركسي؛ والبعض يبالغ بجهله أو تدليسه ليقول: هؤلاء بقايا اللينينية و أيتام موسكو! ، وتأتي هذه التعليقات في ظل حداثة إسم التيار؛ وفي الوقت نفسه حضوره البارز على الساحة السياسية؛ وتوسّع قاعدة التأييد الشعبي له رغم بطئها أو رزانتها كما أحب أن أصفها.
ولن أبالغ إذا قلت بأن أغلب التعليقات التي تخرج بهدف التدليس منظّمة وشبه مدروسة؛ وتريد أن تحصر التيار في زاوية المواجهة مع الدين أو تضعه في خانة المحاكمة عن تاريخ الأحزاب الشيوعية العالمية بمختلف تجاربها وظروفها، ولدي علامات وشواهد على ذلك ولكن المجال لا يتسع في هذا المقال لتعديدها.
تشكّل التيار التقدمي قبل ثلاث سنوات بمبادرة من أفراد جمعهم التوجه اليساري التقدمي العام الذي يركّز على العدالة الاجتماعية (بمعناها الطبقي المعادي للرأسمالية وليس بمعناها الفضفاض العام) والحريات الشخصية والعامة وتقدم المجتمع على جميع الأصعدة، ويتمحور الخط السياسي للتيار التقدمي حول استكمال النظام البرلماني الديمقراطي ومواجهة مشروع السلطة الذي يعرقل التطور الديمقراطي في البلد، وهذا التيار له من اسمه نصيب؛ فهو تيار سياسي عريض يضم في صفوفه مختلف أطياف اليساريين والتقدميين من ماركسيين لينينيين واشتراكيين ديمقراطيين وناصريين وقوميين وماويين وتروتسكيين وبعض العناصر التي تؤمن بالعدالة الاجتماعية بتعريفها البسيط غير المنطلق من إيديولوجيا معينة، وخلال مسيرة التيار التقدمي في السنوات الثلاث الماضية انضم الكثير من الأعضاء إليه بسبب الموافقة على أهدافه التي أعلن عنها، وكذلك بسبب مواقفه السياسية التي قرأوها ولمسوها من خلال وجوده على الأرض إبان فترة الحراك الشعبي الاحتجاجي، وهؤلاء الأعضاء يعرفون تماماً من خلال وجودهم في قيادة التيار ولجانه المختلفة بأنه تيار يساري عريض وليس محصوراً على إيديولوجيا يسارية محددة. وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن التيار السياسي الوحيد في الكويت الذي تبنى الماركسية اللينينية بوضوح لا لبس فيه ولا غموض هو حزب اتحاد الشعب في الكويت الذي تأسس في عام ١٩٧٥ ثم اندمج أعضاؤه في إطار المنبر الديمقراطي الكويتي وتجمّد نشاطه على أرض الواقع، ثم لظروف موضوعية انسحبوا من المنبر الديمقراطي واستعادوا استقلاليتهم وشارك بعضهم في التيار التقدمي الذي تمر علينا في هذه الأيام الذكرى الثالثة لتأسيسه.
ويأتي وصف التيار التقدمي بأنه تيار شيوعي أو تيار ماركسي لينيني في إطار تأجيج نوع من الرفض الشعبي له تحت اتهامه بتوجهه (الكافر) كحد أقصى أو (العلماني) كحد أدنى؛ ناهيك عن الجهل أساساً بتعريف مصطلح ماركسية أو شيوعية وكذلك بطبيعة تكوين التيار التقدمي؛ فالسؤالان المستحقان لمروجي مثل هذه الانطباعات هما: ما هو تعريفهم للماركسية وللشيوعية أصلاً؟ ثم ما هي أدلتهم الملموسة على كون التيار التقدمي يتبنى الماركسية أو الشيوعية؟ وهذا ليس تهرباً من الماركسية أو الشيوعية الذين يتبناهما بعض أعضاء التيار ولكنه رد مباشر على هؤلاء المروجين ولوضع الأمور في نصابها الصحيح. وفي خضم هذه الانطباعات المغلوطة يغيب عن مروجيها أن صراع الماركسية أو الشيوعية ليس مع الدين ولكنه مع الرأسمالية والاستغلال الطبقي؛ وأن الدين لم يكن يوماً مستهدفاً في أهداف ومبادئ ومشاريع الأحزاب الشيوعية العالمية فما بالكم بالتيار التقدمي ذي التوجه اليساري العريض، ويبدو أن هناك هدفاً يبدو أصغر من هدف وضع التيار التقدمي بمواجهة مع الدين ولكنني أعتقد بأنه الأعمق؛ وهو محاولة تقليل شعبية هذا التيار ليبدو أمام الناس بأنه تيار يضم مجموعة نخبوية منغلقة على نفسها، والمؤشر الأقوى الذي يدل على هذا الهدف هو إثارة مسألة شرط تزكية شخصين من أعضاء التيار لقبول العضوية الجديدة؛ وهنا لي وقفة....من المتعارف عليه في أغلب التيارات والأحزاب السياسية العالمية والتي تعمل في واقع صحي ديمقراطياً بعكس واقعنا الكويتي المريض والمشوّه أن تزكية طالب العضوية من الشروط المهمة لضمان معرفة جدية العضو وعدم دخوله بهدف التخريب أو تسريب العمل الداخلي للحزب أو التيار السياسي، وهذا الضمان مهم جداً لأن العضو الجديد سيمارس كل حقوقه والتي من ضمنها الدخول في اللجان والترشح لقيادة الحزب أو التيار، والنقطة البديهية الأخرى من وراء شرط التزكية هي أن الحزب أو التيار ليس جماعة ضغط أو مجموعة حقوقية أو نادياً ثقافياً حتى لا يتم الاهتمام بالجانب الشخصي للعضو.
بعيداً عن محاولات حصر التيار التقدمي الكويتي بإطار إيديولوجي يساري محدد يظل هو الأوضح في الموقف تجاه مشروع السلطة وضد الاستغلال الطبقي، ويظل هو الأدق في تبنيه للديمقراطية بشقيها السياسي والاجتماعي وعدم حصرها بالصناديق فقط، ويظل هو الأكثر علمية في تبنيه للعدالة الاجتماعية من منطلق رفض الاستغلال الطبقي وعدم تسطيح تعريفها وحصره في التكافل الاجتماعي فقط، والأهم من هذا كله يظل هو الأكثر انحيازاً للطبقات العاملة والفئات الشعبية ومحدودة الدخل، وهذا كله مذكور بالنص في أدبيات التيار التقدمي المكتوبة وتعكسه مواقفه وتحركاته على الأرض.
-------------------------------------
*عضو التيار التقدمي الكويتي.