مقال للزميل فيصل مال الله تحت عنوان"لا نتركها لهم"
بقلم: فيصل مال الله*
مع قرب الانتخابات الجديدة لمجلس الأمة تتعالى الأصوات التي تطالبنا بالمشاركة بالانتخابات حتى "لا نتركها لهم".. ولكن عندما نتوقف قليلاً لنتفكر بمقولة "لا نتركها لهم" نكتشف العديد من الأسئلة المثيرة؛ أولها من الذي تُوجه له هذه المقولة؟ ثم من الذي يقولها؟ هل جميع من يقولها يقصد نفس ال"هُم" الذين لا يريدونا أن نتركها لهم؟ وأخيراً هل مشاركتنا بالفعل ستمنع ان تُترك لهم؟
لم أجد أي فئة معينة مستهدفة بهذه المقولة من الجميع، فكل الناخبين سمعوها موجهة لفئة أو لأخرى، لكن الإثارة تبدأ عندما تلاحظ من الذي يقولها! سمعت هذه المقولة ممن قاطع انتخابات ديسمبر ٢٠١٢ وكان محسوباً على فريق المقاطعين و ممن كان من فريق سأشارك الأسطوري، بل لقد سمعتها من بعض فداوية السلطة! اذا كان جميع هؤلاء يرددون هذه الجملة فمن غير المعقول أن يكونوا جميعاً يقصدون نفس ال "هُم" الذين لا يريدونا أن نتركها لهُم، ما عليك إلا أن تسأل كل من يقول لك هذه الجملة من هم اللذين لا يريد أن يتركها لهم لتعرف التنوع المثير في "هُم". بعض المقاطعين غلبتهم العاطفة بعد أن رأوا مجلس الأمة العزيز عليهم قد امتلأ بالمهرجين بعد انتخابات ديسمبر 2012 لذلك هم يريدون المشاركة حتى لا يتركونها للمهرجين، وبعضهم كذلك لا يريد أن يتركها للحكومة كما يعتقد أنه فعل في ديسمبر 2012، وهناك الطائفيون من السنة والشيعة والذين سيذهبون للتصويت حتى لا يتركونها للطائفة المختلفة لهم، وهناك من لا يريد أن يتركها للبدو، أما فداوية السلطة فهم -حقيقةً- لا يؤمنون بهذه المقولة وليس لهم أي "هُم" لا يريدون تركها لهم ولكنهم فقط يريدون إنجاح مشروع السلطة بالصوت الواحد والاستفراد بالحكم لذلك يسعون لإثارة المشاعر بقصد دفع المزيد من المشاركين لإعطاء الشرعية للإنتخابات.
بقي الآن السؤال المهم: هل مشاركتنا ستمنع بالفعل أن تُترك لهم؟ سأجيب عل هذا السؤال فقط من منظور من يطالب بالمشاركة حتى لا نتركها للمهرجين أو الحكومة. لأن الآخرين الذين يقولونها من منظور كراهية الآخر هم مرضى نفسيين يحتاجون الى الدعاء بالهداية أولاً وجلسات مع طبيب نفسي ثانياً لعل وعسى أن يتخلصوا من هذه العقد والجهالة.
حتى لا نترك مجلس الأمة للمهرجين ونواب الحكومة (وقد يكون الفرق بينهما لا شيء) يجب أن نحصل على غالبية مقاعد مؤثرة بالمجلس لتوفر لنا الإمكانية لتمرير القوانين حتى لو كانت لا تُرضي الحكومة والمهرجين والتصدي لجميع أنواع الفساد، أما إذا كنا مجرد أقلية في المجلس ونواب الحكومة هم الأغلبية فلن نستطيع عمل أي شيء غير الصراخ والزعيق بلا أي فائدة لأنه بالنهاية كل ما تحتاج له الحكومة لتمرير ما تريد خلال المجلس هو إصدار الأمر لنوابها لتصوت بالموافقة على ما تريد وبما أنهم الأغلبية فان الحكومة ستحصل على ما تريد! إذن نستنتج أنه من غير الحصول على أغلبية مؤثرة بالمجلس فانها ستكون ل"هُم"... هل نستطيع بمشاركتنا الحصول على أغلبية؟ الصوت الواحد أُبتُكر لضمان عدم حصول ذلك على الأقل في المدى القريب.. هل نستطيع الحصول على أغلبية في المدى البعيد بالصوت الواحد؟ المحكمة الدستورية بتحصين مرسوم الصوت الواحد أعطت صكاً على بياض للحكومة بحل المجلس ثم تعديل النظام الانتخابي متى ما شاءت في حال أننا حصلنا على أغلبية مؤثرة! تماماً كما حدث بعد حصول كتلة الأغلبية على 37 كرسي في مجلس فبراير 2012، لذلك لا فائدة من المشاركة بأي انتخابات في ظل هذا النظام الانتخابي.
“هُم" استحوذوا على مجلس الأمة سواء شاركنا أم لا... مشاركتنا لن تكون غير موافقة منا على الصوت الواحد والاستفراد بالقرار... التغيير لا يمكن أن يحدث الآن من داخل المجلس، بل من خارجه فقط.
---------------------------
*عضو التيار التقدمي الكويتي.