الوشيحي والتقدميون!
بقلم: د.فواز فرحان*
في البداية أحب أن أثني على الإعلامي البارز الأستاذ محمد الوشيحي ودوره المميز والملموس في الحراك الشعبي الكويتي، وأحب كذلك أن أشكره على كلماته التي وردت في مقاله الذي جاء تحت عنوان (التقدمي يتقدم على الإخوان والليبرال) حيث وصف شباب التيار التقدمي الكويتي بأنهم (الأعلى ثقافة، والأوسع أفقاً، والأكثر اطلاعاً وقراءة، بل هم الأكثر حدة في معارضتهم من بين كل التيارات المؤدلجة، والأكثر صدقاً)، وسأنطلق في مقالي هذا من نقطتين تطرق لهما الوشيحي في مقاله و هما كون التيار التقدمي مؤدلجاً وعلاقة التيار التقدمي بالتجارب اليسارية والتقدمية والاشتراكية في العالم.
إذا وصفنا شخصاً ما بأنه مؤدلج فنحن نعني بأنه يتبنى منظومة من الأفكار والمفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية المحددة التي تتكامل فيما بينها لتجعل هذا الشخص مهيئاً لتصور وبلورة مشروع واضح المعالم ينطلق فيه نحو مجتمعه بهدف إصلاحه وتطويره وتغييره... فكون الإنسان مؤدلجاً لا يعني بالضرورة بأنه جامد فكرياً وغير قابل للتطور وغير مستعد لاستقبال المعرفة والعلم الذين يزدادان ويتطوران بشكل دائم بفعل تراكم التجارب الإنسانية؛ وخصوصاً إذا كانت إيديولوجيته مبنية على الجدل (الديالكتيك) وتنطلق من الواقع المادي الملموس. وتجدر الإشارة في هذا الصدد بأن ذوي النزعات المثالية والوجودية والفردية يعتبرون الإيديولوجيا إحدى بؤر الشر في العالم وبأنها تعطّل عقل الإنسان وتكبح إنطلاق إبداعاته وتجعله كالحجر الأصم الذي يستقبل الصدمات من غير إبداء أية ليونه لينتهي به الأمر إلى التكسر والتفتت في وجه المتغيرات(!) وهذه النظرة للإيديولوجيا تفتقد للتحليل الواقعي والعلمي وتكون منطلقاتها في الغالب من ردود أفعال على أحداث ووقائع معينة؛ وفي الوقت نفسه لا تطرح هذه النظرة بديلاً واضحاً عن الإيديولوجيا تؤهل الجماعات لطرح مشاريعها النهضوية انطلاقاً من الواقع والتناقضات اليومية، وينتهي المطاف بهذه النظرة السوداوية نحو الإيديولوجيا إلى تحولها إلى إيديولوجيا جديدة مبنية على نبذ كل الإيديولوجيات الحالية؛ فتغنّي هذه النظرة بأنها غير مؤدلجة أعتبره أدلجةً بحد ذاتها!
وإذا جئنا للتيار التقدمي الكويتي الذي أثنى الأستاذ الوشيحي على ثقافة شبابه المنتمين له فسنجده إمتداداً للخط اليساري التقدمي في الكويت على مدى الستين عاماً الماضية إن لم يكن أكثر، ويشكل هذا التيار ما يشبه الائتلاف السياسي بين مختلف أطياف اليسار والتقدمية من ماركسيين لينيين واشتراكيين ديمقراطيين وبعض العناصر القومية والناصرية ذات النزعة اليسارية والمؤمنين بمبدأ العدالة الاجتماعية بتعريفها المباشر والبسيط وكذلك المتفقين مع الخط السياسي الاقتصادي الاجتماعي الذي أعلن مؤسسو التيار التقدمي عن تبنيه، وبرز هذا التيار على الساحة السياسية مجدداً قبل ثلاث سنوات بعد أن اختفى ظاهرياً على مدى العشرين سنة الماضية بسبب إنضوائه بشكل جزئي تحت مظلة الائتلاف اليساري الديمقراطي والمسمى بالمنبر الديمقراطي، وشكّلت عودة ظهور هذا الخط اليساري التقدمي تحت إسم التيار التقدمي الكويتي نوعاً من الحركة الإيجابية في الساحة السياسية وأعطت الحراك الشعبي المعارض لوناً إضافياً يشكّل أحد أهم أطيافه، و كَوْن التيار التقدمي الكويتي يعتبر العدالة الاجتماعية حجر الزاوية في بنيان أفكاره ومبادئه فإنه أعطى بعداً آخر للمطالب الشعبية وأضفى واقعية على الحركة المطلبية وجعلها تركز أكثر على هموم ومشاكل الطبقات العاملة والفئات الشعبية المهمشة ومتدنية الدخل.
وذكر الوشيحي في صدد ثنائه على ثقافة شباب التيار التقدمي الكويتي بأنه يختلف مع أفكارهم التي ربطها بتجارب معينة مثل تجربة الاتحاد السوڤييتي وتجربة الصين والتجربة الناصرية التي قال إنها أثبتت فشلها؛ وهنا لنا وقفة. التيار التقدمي الكويتي ليس تكراراً لتجربة تاريخية معينة وهذا واضح من أهدافه وخطه السياسي الذي أعلن عنه وكذلك من مشروعه الذي طرحه للإصلاح الديمقراطي في الكويت، والإشتراكية هدف سامٍ بعيد المدى لن تتحقق العدالة الاجتماعية بشكلها الكامل إلا في ظله وهذا الهدف يتم السعي له من خلال تحليل مادي واقعي للتاريخ وبقوانين علمية يعرفها كل المختصين بعلم الاقتصاد السياسي الذي يدرّس في أغلب جامعات العالم، وذلك جراء تفاقم تناقضات النظام الرأسمالي الذي هو نظام استغلالي آيل إلى زوال، أما التجارب التاريخية للوصول إلى الإشتراكية فهي ليست إلا محاولات مختلفة حكمتها ظروفها الزمانية والمكانية وتحكمت بها الأحداث والصراعات الدولية، خصوصاً أنها تمت في بلدان متخلفة سابقاً وليس لديها تراث ديمقراطي، وبالتالي فإنّ تعثُّر أو فشل تجربة معينة مثل تجربة الاتحاد السوڤييتي لا يعني فشل التجربة الصينية التي تتطور حالياً وهي جديرة بالمتابعة والملاحظة رغم بعض الانتقادات العلمية عليها؛ ولا يعني أن التجربة الكوبية لم تصل إلى مراحل متطورة على مستوى الجوانب الحياتية المختلفة وعلى مستوى حقوق ومتطلبات الشعب الأساسية مثل السكن والتعليم والتطبيب رغم الحصار الأميركي المفروض على كوبا منذ أكثر من نصف قرن؛ ولا يعني أن الأحزاب اليسارية والتقدمية والإشتراكية والشيوعية في أوروبا وأميركا الجنوبية لا تتقدم سنوياً على مستوى القبول الشعبي لبرامجها ومشاريعها والذي انعكس على مستوى تمثيلها في البرلمانات والحكومات الذي تؤكده الأرقام، والجدير بالذكر أنني خلال كتابتي لهذا المقال جاءني خبر فوز مرشحة الحزب الاشتراكي في تشيلي الرفيقة ميشال باشيلي في انتخابات الرئاسة.
ما أردت قوله للعزيز الوشيحي ولكل من ينظر بمثل نظرته للتقدميين هو أننا لسنا منظّري صالونات حتى يتم الثناء فقط على مستوى ثقافتنا، ولكننا جزء من تيار يحمل فكراً ومشروعاً نهضوياً واقعياً يتلمّس حاجات ومتطلبات شعبنا، وأننا جزء من حركة مجتمعية عالمية تسعى للعدالة الاجتماعية على حسب ظروف ومستوى تطور الدول المختلفة، وبأن هذه التجارب العالمية ومن ضمنها تجربتنا تتطور بشكل دائم في ظل تفسّخ وقرب انهيار النظام الرأسمالي العالمي الذي تؤكده وقائع الأزمات العالمية.
---------------------------------------
*عضو التيار التقدمي الكويتي.