التخلف الاجتماعي الثقافي
بقلم: وليد الرجيب
قبل يومين زرت أحد الأصدقاء في المستشفى بعد أن سمحوا بالزيارة، حيث كان يرقد في العناية المركزة وعندما تجاوز مرحلة الخطر نُقل الى الجناح، وكان يضع على الطاولة الجانبية قرب سريره راديو ترانزستر ليستمع الى الموسيقى الكلاسيكية التي يحبها.وحكى لي هذا الصديق بصعوبة أن طبيباً متشدداً دينياً دخل عليه وعنفه لسماعه الموسيقى رغم أن الصديق كان في غرفة خاصة ورغم كبر سنه وحراجة حالته الصحية، قائلاً له: أنت ليه تسمع مزيكا؟ فرد الصديق: أنها تريحني وثانياً هذه حريتي الشخصية، وخرج الطبيب دون أن يستطيع أن يجبر الصديق على اغلاق الراديو، وكان الصديق مستاء من تخلف الطبيب ومحاولة منعه من سماع المقطوعات الموسيقية التي تصدح على الدوام في بيته، فقلت له: سأشتري لك «آي بود» لتستمع للموسيقى من خلال سماعات الأذن.وأتذكر صديقاً آخر كان لديه أولاد وبنات موهوبون موسيقياً في عزف البيانو، وحرص على تدريبهم على عزف الموسيقى الكلاسيكية، وأحضر لهم مدرساً بولندياً يعتبر من أعلام عازفي الموسيقى الكلاسيكية على البيانو، وهو أيضاً قائد لفرقة «فيلهارمونيك» شهيرة، وبالفعل أصبح أولاده وبناته أفذاذاً في العزف على البيانو.ولكنه حرص على تعليمهم في مدارس الحكومة، لأنه لم يكن يريدهم أن يتغربوا عن مجتمعهم على حد رأيه، وكان على قناعة بأن التعليم الحكومي في الكويت ما زال جيداً ومتطوراً مثلما كان الأمر أيام دراسته في ستينيات القرن الماضي، ثم تفاجأ بأن بناته وأولاده بدأوا يرفضون العزف ويتهربون من مدرس الموسيقى ومن التمرينات، ولما سأل أكبرهم سناً عن السبب قال له: أن مدرس الدين قال له إن الموسيقى حرام، رغم وجود حصة لتدريس الموسيقى وكذلك وجود فرق موسيقية مدرسية، وظل ابنه الكبير على هذه القناعة وأقنع أخوته وأخواته بحرمة الموسيقى، فخسر الأب وخسرت الكويت موسيقيين كان من الممكن أن يرفعوا من مكانة بلدهم.وطالعتنا صحف الأمس بموت طالبة سعودية ببطء بعدما أصيبت بأزمة قلبية في احدى مدارس البنات في المملكة العربية السعودية، نتيجة رفض الادارة السماح لفرق الاسعاف الدخول الى قسم البنات لانقاذها عملاً بالقوانين التي تمنع «اختلاط الجنسين»، ومرت الساعات حتى ماتت الطالبة المسكينة ببطء وعذاب شديدين، بينما كان يمكن انقاذ حياتها في هذه الساعات الحرجة قبل وفاتها.وأيضاً طالعتنا الصحف بجريمة قتل بشعة في لبنان، حيث حطم زوج منال عاصي جمجمتها بـ«طنجرة ضغط» ثم مثّل بها، فكسر أسنانها وأصابعها، وظلت ساعات دون اسعاف حتى فارقت الحياة، وقد كان المجتمع اللبناني قبل هذه الجريمة قد روّع بجريمة مشابهة حيث قُتلت رولا يعقوب على يد زوجها، الذي أودع السجن ثم أفرج عنه، ناهيك عن جرائم الشرف لمجرد شك الزوج بزوجته أو شك الأخ بأخته، والتي عادة ما يتغاضى عنها القانون أو تخفف الأحكام في معظم الدول العربية.هذا غيض من فيض من مظاهر التخلف الاجتماعي الثقافي والتشدد الديني، ولأن هناك خلطاً بين العادات الاجتماعية والدين، أو تحميل الدين عادات اجتماعية قد تكون متخلّفة عنه، نجد أن فئات واسعة من النساء في مجتمعنا يعانين من اضطهاد أزواجهن وآبائهن وأخوانهن، وتُعامل معاملة البهيمة أو الجارية المسبية، وحتى بعدما حصلت على حقها السياسي بالترشيح والانتخاب، جيّر الرجل ذلك لصالحه في الانتخابات البرلمانية دون أن تملك المرأة حرية الاختيار أو حرية الاختلاف برأيها عن رأي زوجها.والثقافة السائدة في المجتمع هي ثقافة التخلف الاجتماعي والثقافي واستغلال بساطة الناس وجهلهم أحياناً بأصول الشريعة، وعدم تفريقهم بين ما هو ديني وما هو اجتماعي، وأصبحت الفتاوى الدينية تجارة مربحة، لدرجة أنه تصلني باستمرار رسائل نصية للاشتراك في أذكار وفتاوى الشيخ الفلاني، علماً بأن الاشتراك ثمنه غير قليل.لكن قبل اصلاح الثقافة وتطويرها وحتى عن طريق وضع قوانين، ليس هو الحل ما دامت الدولة والسلطة تحتاجان الى اصلاح جذري، تترسخ فيه الاصلاحات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وأسس المواطنة الدستورية.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
_______________________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 08/02/2014 العدد:12641