الإصلاح السياسي وتعديل الدستور
بقلم: د. بدر الديحاني
لا يمكن الوصول إلى النظام البرلماني الكامل من دون تعديل بعض مواد الدستور، فالدستور الحالي وضع قبل نصف قرن في ظروف اجتماعية واقتصادية وسياسية مغايرة للظروف الحالية، وقد أثبتت الممارسة العملية أن هناك ضرورة لتعديل بعض مواده حتى يمكن الخروج من حالة المراوحة السياسية والتراجع، ثم التقدم خطوات باتجاه النظام البرلماني المتكامل في دولة مدنيّة ديمقراطية.
والدولة المدنيّة، كما هو معروف، هي الدولة التي تتحقق فيها المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات العامة (مواطنون دستوريون)، بحيث يتعايش الجميع تحت مظلة الدستور والقوانين التي يضعونها بأنفسهم من خلال مشاركتهم في اتخاذ القرار.في الدولة المدنية الوطن للجميع بغض النظر عن الدين أو المذهب أو الطائفة أو القبيلة أو اللون أو الجنس، على أن تلتزم الدولة بحماية الحريات المدنيّة الأساسية العامة والشخصية على حد سواء، بحيث لا يُقر أي قانون يُقيدها، ولا يُسمح، في الوقت ذاته، لأي أحد أو أي جهة كانت بانتهاك الحريات الشخصية أو لعب دور الوصيّ على الناس.ونظراً لأهمية الدستور في تنظيم العلاقات بين السلطات العامة من ناحية وبينها وبين الناس من ناحية أخرى، فإن فصائل معارضة تطرح ضرورة إجراء تعديلات دستورية للخروج من الأزمة السياسية المستمرة تتراوح بين تعديل عدد من المواد لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، وتعديلات شبه كاملة للبابين الرابع والخامس من الدستور.ولكن هل يمكن تنقيح الدستور من دون توافق وطني، وقبل إنجاز المتطلبات الأولية للإصلاح السياسي، مثل إشهار التنظيمات السياسية على أسس مدنيّة ديمقراطية، إصلاح النظام الانتخابي الحالي السيئ؟ كلا طبعا، إذ لا يجوز انفراد طرف من أطراف المعادلة السياسية بتعديل الدستور الذي يحتاج إلى توافق وطني عام. هذا أولاً، أما ثانياً فإن الإصلاح السياسي والدستوري الجذري والشامل له متطلبات أولية غير متوافرة حالياً، وبعضها مثل إشهار الأحزاب وإصلاح النظام الانتخابي لا يحتاج إلى تعديل الدستور. ومن أجل تقريب الصورة أكثر دعونا نتصور أننا انتقلنا في هذه اللحظة إلى النظام البرلماني الكامل، فمن، يا ترى، سيكون له الحق الدستوري في تشكيل الحكومة باعتباره حزب الأغلبية بينما الأحزاب لدينا ليست مُشهرة؟ ثم كيف سيتم تداول السلطة في ظل غياب التنظيم الحزبي القائم على أسس مدنيّة ديمقراطية؟ بل كيف لنا أن نطمئن جميعا إلى أن التنظيم السياسي (الحزب) الذي سيتولى إدارة شؤوننا العامة بالنيابة عنا جميعا يُمثّل بالفعل أغلبية الناخبين في الوقت الذي لا يوجد لدينا نظام انتخابي ديمقراطي وعادل؟ ناهينا عن نوعية البرامج الانتخابية، وما إذا كانت برامج وطنية جامعة تطرح حلولاً عملية لقضايا ومشاكل عامة، أم أنها، كما هو الوضع الآن، مجرد طرح سطحي لأمور جانبية مثيرة، في أغلب الأحيان، للتعصب والاستقطاب الطائفي والقبلي والعنصري، وهو الشيء المحظور في الدول الديمقراطية الحقيقية؟!قصارى القول، حتى نستطيع الخروج من الوضع السياسي الحالي المزري إلى وضع أفضل فعلا باتجاه النظام الديمقراطي البرلماني الكامل، فإننا نحتاج إلى استكمال متطلبات الإصلاح السياسي الديمقراطي المُستحق، والتي تُعتبر شرطاً ضرورياً ولازماً للانتقال إلى النظام البرلماني، ولا تحتاح إلى تعديل الدستور، وهي تنظيم العمل السياسي على أسس وبرامج مدنيّة ديمقراطية، وإصلاح النظام الانتخابي الحالي (إعادة توزيع الدوائر الانتخابية بشكل عادل مع وجود قوائم انتخابية وتمثيل نسبي).
--------------------------------------------------------------
منقول عن جريدة الجريدة بتاريخ 21/04/2014