الرأسمالية تشجّع الغش التجاري
إن الغش التجاري منسجم مع القوانين الاقتصادية للرأسمالية، التي جوهرها الربح وتعاظمه من خلال تخفيض تكلفة الإنتاج والأجور لزيادة الأرباح والتراكم الرأسمالي، إذ لا يوجد ربح إذا كانت التكاليف تساوي قيمة المنتج أو البضاعة، هكذا ببساطة سواء في الإنتاج البضاعي البسيط في الماضي أم في الإنتاج المعولم.وأتذكر أنني كتبت عن إحدى شركات إنتاج الدواء الكبرى، عندما تعرضت إلى ضغط تخفيض أسعار الدواء فقامت بتقليل مفعول الدواء، ما يعني بيع كمية أكبر حتى يأتي بمفعوله على صحة الإنسان في سبيل الحفاظ على الربح، كما أن هناك دراسات علمية حول تقليل كفاءة السيارات من خلال صنع سيارة قابلة للعطب بسرعة حتى يشتري صاحبها قطع غيار أو سيارة جديدة باستمرار، وهناك دراسات جدّية حول صناعة مصباح كهربائي «لمبة» سريع الاحتراق كي يظل المستهلك يشتري ويستبدل، والأمثلة والشواهد كثيرة في حياتنا.إذاً الغش في الرأسمالية لا يخرج عن قوانينها الاقتصادية، وهذا ينطبق على كل أنواع المنتوجات والخدمات التي تقدمها الشركات الرأسمالية سواء التي تنتج الغذاء أو الأجهزة أو مواد البناء أو حتى آلات حفر الآبار أو الخدمات التعليمية والصحية.وأخيراً في الكويت اشتكى معظم الناس من تطاير الحصى من اسفلت الشوارع اثر تفككها بعد سقوط أمطار لا يمكن اعتبارها غزيرة، مما سبب أضراراً مادية لسيارات مستخدمي الطرق، ولكن وعي الناس البعيد عن التحليل الطبقي وضع اللوم على وزارة الأشغال ووزيرها، كما وضعت اللوم من قبل على وزير الإسكان الذين ظنوه السبب في الأزمة الإسكانية، وقلت في مقال سابق أن السبب هو احتكار البرجوازية العقارية للأراضي والمضاربة بها وهي أكبر وأقوى من الوزير.وقد شهد المجتمع الكويتي حالات من الغش في الأغذية من خلال بيع أغذية فاسدة منتهية الصلاحية، وشهد الأهالي الغش في التعليم الخاص وخاصة في بعض الجامعات، مثل توظيف معلمين غير أكفاء من شعوب فقيرة تقبل بالأجر الأقل لزيادة أرباحها من تقديم الخدمات التعليمية المتدنية، فليس مهماً تقديم خدمات تعليمية جيدة بل المهم هو الأرباح من وراء تقديم هذه الخدمات.كما أن بعض شركات مقاولات بناء المدن السكنية الحديثة، بنت منازل ومؤسسات أصابها الخرير من أقل مطر يسقط على البلاد، ناهيك عن البعض الآخر الذي يغش في المواد من أجل تكاليف أقل وربح أكبر.لقد عشنا في الكويت عقوداً طويلة ولم نشهد تفكك الطرق بهذه السهولة بعد سقوط الأمطار، هذا يعني أن الطرق لم تعبد بمواد تصمد أمام أقل الأمطار، وبغض النظر عن كمية الكبريت التي حُمّلت المسؤولية إلا أن الأمر بالتأكيد لا تتحمله وزارة الأشغال رغم المسؤولية السياسية للوزير، إلا أن السبب هو الغش الرأسمالي لبعض شركات مقاولات الطرق، والمفارقة أن الكويت دولة منتجة للنفط.بعد التحرير رأينا أن تأثير قذائف الجيش العراقي على المباني قليل، وذلك راجع لصلابتها إلا تلك التي جرى تدميرها وحرقها بشكل متعمد، كما لاحظنا أن تأثير جنازير الدبابات لا يذكر على الإسفلت، لقد صمد اسفلت شوارع الكويت عبر سنين طويلة أمام كل العوامل الجوية سواء الحرارة الشديدة أم الأمطار الغزيرة أم استخدامات البشر، فلماذا في هذا الوقت ونحن في عصر متقدم تحدث هذه الظاهرة الغريبة؟!فالمباني والمرافق كالمدارس والمستشفيات والمؤسسات الحكومية التي بنتها الحكومة منذ ستينيات القرن الماضي كانت صلبة وبعضها مازال مستخدماً، ولكن عندما أعطت الحكومة هذه المسؤولية للشركات الخاصة بدأنا نشهد هذه الحالات الجديدة من التردي للبنية التحتية والخدمات، فهل هذا يجعلنا نثق بأن سياسات الخصخصة المزمع تنفيذها ستكون لصالح الكويت والكويتيين التي كانت تعتبر جوهرة الخليج؟والغش والفساد صنوان، فما الفضيحة التي تكشّفت ونشرتها الراي يوم أمس عن تزوير معاملات الهجرة حيث وصلت إيرادات أحدهم إلى أكثر من مئة ألف دينار شهرياً، إلا أحد أمثلة الفساد المستشري الذي يهدم بلدنا حجراً حجراً ويقضي على منجزاتنا بجميع الأصعدة.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
___________________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 15/1/2014 العدد:12616