النيوليبرالية وثقافة الأنا.
كتب محمد المذكوري المعطاوي في صحيفة حريات، مقالاً جميلا وعميقاً قال في مضمونه: «إن هناك مغزى ثابتاً لليبرالية بصفتها مفهوماً فلسفياً وأيديولوجياً، يتمثل في كل ما يرمز إلى التحرر، واقترن المبدأ منذ البداية بمفهومه الاقتصادي أي حرية الأسواق والتملك ورفض أي تدخل من قبل الدولة وتخطيطها، وقبول اقتصاد تحكمه قيم منبثقة عن حرية التملك والإدارة واستخدام رؤوس الأموال، وما على الدولة سوى القيام بدور المنظم والمشرف والضامن للأمن ومفهوم الحرية ذاته، كما أن تحرير رأس المال يؤدي إلى اختزال مفهوم الأفراد في بعد واحد يتمثل في الاندفاع اللامحدود للفرد نحو حرية الاستهلاك كيفما كان نوعه».وتضفي الليبرالية صفة الفردية والنسبية على القيم والمبادئ الأخلاقية يجعل الوضع الاقتصادي للفرد وقدرته الشرائية من بين أهم وأكثر القيم اعتباراً وتقديراً من الناحية الاجتماعية، فالعاطل عن العمل منبوذ والتبعية للمصارف والبنوك تؤدي إلى تمكين رأس المال من السيطرة على الفرد وامتصاصه، أما التقاعد و الإنسان المتقاعد عن العمل فلا أهمية ولا تقدير له، فكل الدعايات الاستهلاكية موجهة إلى شريحة الشباب والكهول الذين هم في سن الإنتاج والاستهلاك، وبذا يصبح المعاقون والمسنون على هامش الواقع الاجتماعي ويعيشون على المساعدات والصدقات التي يقدمها لهم هذا النظام والجمعيات الخيرية التطوعية.واستعادت الليبرالية الجديدة «النيوليبرالية» بعض مفاهيم الليبرالية التقليدية، مثل أهمية الفرد والحد من دور وتدخل الدولة والسوق الحرة، فمن بين مظاهر الفكر الليبرالي ظهور مواطن انعزالي يتميز بدرجة عالية من الذاتية والبراغماتية، ينطلق من وحي ابتلاع الآخر مادياً واجتماعياً.وفي ظل العولمة يصبح الفرد مسؤولاً عن تخلفه وعن فقره، فالنيوليبرالية تعزو ذلك إلى طبيعة التفكير كالقول بأن الثقافة هي سبب التخلف، وكذلك افتقار أو انعدام روح المبادرة.فالأنا والآخر هي ذاتها ثنائية العولمة المركز والطرف، فالأنا هي المركز والآخر هو الطرف المتخلف أو «المنهوب» بمعنى آخر، بل ان انقاذ الآخر وتحريره من تخلفه، تبدو من الناحية الشكلية شهامة من خلال تقديم الدعم بواسطة «برامج مساعدة التنمية» واستخدام منظمات الأنا كصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، ولكنها في جوهرها أسلوب آخر في امتصاص آخر قطرة من دماء الآخر المتخلف والفقير.فمنطق النيوليبرالية يقول: «نحن أغنياء لأن ثقافتنا تدفع وتشجع على ذلك، وهم فقراء لأن ثقافتهم لا تسمح لهم بالتقدم، وبناء عليه فإذا كان الازدهار مرهوناً بالثقافة فالتخلف نتيجة لها أيضاً، والمحصلة النهائية التي تترتب على ذلك هي بكل وضوح: أن الدول النامية لا مفر لها من العولمة، فنتائج النيوليبرالية وأصدائها على العولمة تتعدى حدود الاقتصاد والسياسة إلى عولمة الثقافة، وهي ثقافة الأنا وفرضها على الآخر، لأنها الوحيدة الكفيلة بالمبادرة والتقدم والازدهار والحرية.والليبرالية تجعل الفرد هو مصدر القيم الأخلاقية وتبرز الصلة بين هذه القيم والمصالح الشخصية، أي عدم ثبوت القيم الأخلاقية التي تتبدل حسب المصلحة والضرورة، فقيم الخير والشر والأفعال الحسنة والخبيثة مصدر معاييرها الفرد، أي أن الفرد الليبرالي هو مصدر القيم الأخلاقية الذاتية.وحتى في رفض الليبرالية للموروث ليس من منطلق نقده والانطلاق منه إلى الجديد، ولكنه برفضه عن طريق نسفه والتحرر منه، لأنه يرى المشكلة تبدأ وتنتهي بالثقافة التي يعتبرها سبب تخلف أو تقدم البشر.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
________________________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 01/03/2014 العدد:12662