لماذا نحتفل بعيد العمال؟
في الأول من مايو/أيار من كل عام تحتفل الطبقة العاملة في العالم ومن يمثلها من أحزاب شيوعية واشتراكية وتقدمية ونقابات عمالية وجمعيات مهنية بمناسبة عيد العمال العالمي، وتم التعارف على هذا التاريخ كعيد للعمال ومن ثم تم اعتماده كعطلة رسمية في أغلب دول العالم تخليداً لنضالات العمال الذين تظاهروا في مدينة شيكاغو في أميركا في الأول من مايو/أيار ١٨٨٦م والتي كانت تحت عنوان حركة (الثمان ساعات) المطالبة بتحديد ساعات العمل والتي ووجهت بقمع شديد سقط بسببه عدة قتلى ومصابين، وتزامنت مع هذه المظاهرة مظاهرة أخرى في مدينة تورنتو في كندا.
ويأتي اهتمام الأحزاب الشيوعية والاشتراكية والتقدمية بهذا العيد تحديداً انطلاقاً من قناعتها بدور الطبقة العاملة المحوري والتاريخي في إحداث التغيير وإلغاء النظام الرأسمالي الاستغلالي السائد.
في كل عصر من عصور التاريخ كان مفتاح التغيير يكمن في الصراع بين الطبقات المُستغِلة والطبقات المُستغَلة و دور هذه الطبقات المُستغَلة في إحداث هذا التغيير؛ ففي عصر العبودية كان دور طبقة العبيد في نضالها ضد استغلال طبقة السادة هو مفتاح التغيير نحو عصر الإقطاع؛ وفي عصر الإقطاع كان نضال الفلاحين والبرجوازيين هو الأساسي في نسف النظام الإقطاعي ودفع التاريخ نحو النظام الرأسمالي الذي كان متقدماً على ما سبقه من أنظمة؛ وكذلك في عصرنا الرأسمالي الحالي الذي بانت عيوبه وتناقضاته يكون التعويل على الطبقة العاملة في إنهاء هذا النظام و وضع حد لاستغلاله لجهد وقوة عمل العمال وبقية الكادحين.
إنّ الطبقة العاملة في هذا العصر الرأسمالي هي الطبقة التي لا تمتلك وسائل الإنتاج (من مصانع أو مزارع أو عقار تجاري أو مؤسسات مالية أو غيرها) ولا تمتلك سوى قوة عملها العضلية أو الذهنية وتتقاضى أجراً محدداً مقابل جهدها هذا، بينما الطبقات البرجوازية هي التي تمتلك وسائل الإنتاج هذه وتستغل جهد العمال وقوة عملهم في جني فائض القيمة (الأرباح)؛ أي أن الفرق بين تعريف برجوازي وعامل يعتمد على الملكية أو عدم الملكية لوسائل الإنتاج. وهذا التقسيم الطبقي لا يعتمد على مستوى الدخل ولا على طبيعة المهنة بل يعتمد فقط على الملكية وعدم الملكية لوسائل الإنتاج كما عبّر كارل ماركس؛ ويتم تمييز الفرق بين الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية من خلال دور كل منها في التنظيم الاجتماعي للعمل وبقدرتها بالتالي على الحصول على نصيبها من الثروة كما عبّر الرفيق لينين؛ أي أن العامل الذي يتقاضى دخلاً أكثر من دخل الحرفي البرجوازي الصغير لا يغيّر هذه التقسيمة الطبقية؛ والطبيب أو المهندس الذي لا يملك عيادة خاصة أو مكتب استشارات هندسية وإنما يعمل فيها إنما هو أقرب لأن يكون عاملاً بأجر وليس برجوازياً حتى لو كان دخله مرتفعاً نسبياً… ولعل الصورة النمطية الملتصقة بذهنية أغلب الناس التي تربط العامل بلباس مميّز أو بهيئة معينة أو بمهنة محددة هي صورة غير واقعية ولا علاقة لها بالتعريف العلمي والاقتصادي للعامل.
وفي الكويت يحتفل الشيوعيون والاشتراكيون والتقدميون بعيد العمال انطلاقاً من نفس القناعة التي ذكرتها في بداية المقال، وبالرغم من أن النظام الاقتصادي الكويتي يعتبر نظاماً ريعياً غير منتج ويعتمد اعتماداً شبه كليٍّ على تصدير النفط؛ وبالتالي ينعكس ذلك على طبيعة الطبقة العاملة والطبقة البرجوازية وتشوّههما؛ إلا أن ذلك لا يلغي وجود هذه الطبقات والتمايز بينها. ولكن طبيعة المجتمع الكويتي الاستهلاكية الناتجة عن نظامنا الاقتصادي وسياسات السلطة جعلت الشكل الخارجي للناس وطريقة معيشتها تبدو متشابهة رغم تمايزهم الطبقي؛ فالعامل والبرجوازي يمتلكان البيوت الخاصة ويركبان السيارات الفارهة ويستخدمان أحدث ما وصلت إليه الثورة التكنولوجية، إلا أن التدقيق في واقع هاتين الطبقتين يجعلنا نلاحظ الفرق الهائل في الثروة المملوكة بينهما؛ فالعامل بأجر الذي يتقاضى راتباً شهرياً مقابل عمله لا يمكن أن يوضع بنفس طبقة التاجر الذي يملك العقارات والبنوك ووكالات السيارات -مثلاً- حتى لو كان هذان الشخصان يلبسان نفس نوعية الثياب ويستخدمان نفس نوعية السيارة ويمتلكان نفس (الآيفون).
إنّ نضالنا كتقدميين في الكويت ينصب حالياً بالأساس على تطوير النظام السياسي، وفي السياق ذاته نناضل من أجل تطوير النظام الاقتصادي ليصبح نظاماً منتجاً غير تابع للرأسمال العالمي وعادل اجتماعياً، وبالتأكيد فإنّ تعويلنا على التغيير والتطوير في نظامينا السياسي والاقتصادي سيكون منصباً على الطبقة العاملة الكويتية والتي تشكّل أكثر من ٨٠٪ من الشعب الكويتي حتى ولو كان واقعها مشوّهاً حالياً، لذلك نحن نحتفل بعيد العمال، عيد قوى التغيير.
عاشت الطبقة العاملة الكويتية وتحية لكل عمال العالم بمناسبة عيد العمال العالمي.
—————————————–
بقلم: د. فواز فرحان
عضو المكتب السياسي للحركة التقدمية الكويتية.