لم يعد مكان لخط أخضر.
كثرت الخطوط الحمر في الكويت حتى لم يعد هناك مكان لخط أخضر، كل شيء أصبح غير مسموح به حتى التعبير عن مواقف وسياسة دولة الكويت الرسمية، أو عن تضامن الشعوب العربية والعالمية ضد السياسة الاستيطانية والعنصرية والعدوانية للنظام الصهيوني، العدو الرئيس للأمة العربية، هذا العدو الذي زُرع بيد الغرب الاستعماري في قلب الأمة العربية ليضعف قوة وقدرة هذه الأمة على النهوض والتقدم والتحرر وتفتيتها إلى دويلات ضعيفة، فإسرائيل المسكوت عن جرائمها ضد أهلنا في فلسطين تحظى بدعم وحماية الغرب وأميركا وبعض الأنظمة العربية.في السنوات الأخيرة تحولت الكويت من النهج الديموقراطي إلى النهج البوليسي والملاحقات السياسية والانفراد بالسلطة وكأن لا دستور ولا قوانين تحكمها، وأُدخلنا في نفق الأزمات السياسية العميقة، وقلبت الحكومة ظهر المجنّ للشعب الكويتي.كل الإجراءات التعسفية التي حدثت للناشطين والشباب يمكن إيجاد تفسير لها ضمن النهج السياسي الجديد، بما فيها القمع الأمني للتظاهر السلمي وتلفيق التهم والتعسف باستخدام القانون كغطاء للملاحقات السياسية، والتعدي على مواد الدستور وخاصة في جوانب الحريات، وسرقة المال العام وانتشار الفساد والإفساد الذي طال نواب مشرّعين وتنفيذيين، وأدى إلى تنفّذ الفاسدين وتعدد رؤوس مراكز النفوذ، وانحدار كل جوانب الحياة في المجتمع الكويتي وكل الخدمات بما فيها البنية التحتية، والانحياز للقطاع الخاص والتخلي عن الرعاية الاجتماعية على حساب معيشة المواطنين وبالأخص الفئات ذات الدخل المحدود والمهمشة.لكن إجراءات وزارة الداخلية ممثلة بالإدارة العامة للمباحث الجنائية من خلال استدعاء والتحقيق مع الشباب والناشطين الذين اعتصموا احتجاجاً على مشروع «برافر» الاستيطاني الصهيوني، وهو الذي أثار استياء شعوب العالم حيث قامت السلطات الصهيونية بالاستيلاء على أراضي عرب النقب في فلسطين وطردهم وهدم منازلهم من أجل إقامة مستوطنات، وحصر العرب في مساحة لا تتعدى 1 في المئة من هذه الأراضي التي عاشوا بها وكانت موطناً لهم لمئات السنين، هذه الإجراءات لا يمكن تبريرها.وهي استدعاءات غير مفهومة على الإطلاق، خاصة وأن دولة الكويت كانت ولا تزال ترفض التطبيع مع العدو الصهيوني ما أثار استياء واستغراب الشعب الكويتي من المعارضين والموالين للسياسات الحكومية، وقد يكون الأمر مفهوماً في حدود النهج الجديد لو كانت إسرائيل دولة صديقة أو شقيقة، لكن دولة الكويت كانت ومازالت في حالة حرب معها بل قدمت شهداء سالت دماؤهم في مصر وسورية والأردن وفلسطين.كان الاعتصام أمام سفارة فلسطين تضامنياً سلمياً في إطار حملة شعبية عالمية ضد هذا المشروع التوسعي الاستيطاني، ورغم ذلك تعاملت معه وزارة الداخلية باعتباره عملاً جنائياً، والمفارقة الغريبة والمضحكة أن إسرائيل نفسها تراجعت عن هذا المشروع تحت ضغط الحملة العالمية.والغريب في الأمر أكثر ان المباحث الجنائية بعد أن استدعت العديد من الشخصيات والناشطين لمقر المباحث من أجل التحقيق معهم، بل بالفعل تم التحقيق مع بعضهم عادت واتصلت بهم طالبة منهم عدم الحضور، متراجعة عن قرار إجراء تحقيقات في «جناية» الاعتصام ضد إسرائيل ومشاريعها التوسعية في الأراضي الفلسطينية، معللة ذلك بخطأ اجرائي مرة وبأنه تصرف فردي مرة أخرى في تخبط واضح وفاضح.وقد يكون هذا التصرف تخبطاً وقد يكون دليلاً على تعدد مراكز النفوذ والقرار، وهو أمر أخطر بكثير من التخبط المخجل لأجهزتنا الأمنية، إذ ان تعدد مراكز النفوذ يعني سيطرتها على عناصر في الأجهزة التنفيذية والتشريعية، وهذا ينسف دولة الدستور والقانون.لكن من ناحية أخرى هذه احدى نتائج الانفراد بالسلطة وعدم الاعتماد على الشعب المخلص لنظام الحكم بل معاداته لصالح المتنفذون الفاسدين، هؤلاء المتنفذون سيدخلون من خلال عزل الشعب عن القرار في منافسات من شأنها أن تخلخل أسس المجتمع بل وربما الدولة بأكملها.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
_______________________________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 18/12/2013 العدد:12588