الحركة التقدمية الكويتية: التوجه الحكومي غير متوافق مع الرغبة الشعبية ويتجاهل الحاجة الملحة للتغيير والإصلاح.
لئن كانت الرسالة الشعبية المتمثلة في نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة تتمثّل في الرغبة بالتغيير وإحداث الإصلاحات المستحقة ومعالجة المشكلات الرئيسية وتجاوز حالة الأزمة السياسية المهيمنة على البلاد منذ العام 2011، فإن تشكيل الحكومة وخطاب رئيسها في جلسة افتتاح مجلس الأمة وسلوكها خلالها لم تكن على مستوى تلبية هذه الرغبة الشعبية، كما أنها لاتبدو متوافقة مع الاستجابة المفترضة لضرورة تصحيح مسار الإدارة السياسية للدولة.
وهذا ما نلمسه بكل أسف في إعادة توزير عناصر تأزيمية، وكذلك في توزير أشخاص تدور حولهم ملاحظات سلبية.
أما الخطاب الأميري الذي ألقاه رئيس مجلس الوزراء في جلسة افتتاح مجلس الأمة فقد أكد غياب وجود برنامج عمل حكومي متفق عليه مسبقاً بين الفريق الحكومي لتقديمه إلى مجلس الأمة فور تشكيل الحكومة، مثلما جاء في الدستور، إذ سارت الحكومة الجديدة على الطريق البائس ذاته للحكومات السابقة في هذا الشأن.
وللأسف أيضاً فقد تجاهل خطاب رئيس مجلس الوزراء مطالب تحقيق الانفراج السياسي وطيّ صفحة الأزمة التي أثقلت كاهل البلاد، حيث لم يرد فيه أي ذكر للقضايا المتصلة بالعفو عن المحكومين في قضايا الرأي والتجمعات والقضايا السياسية، ولم يشر من قريب أو بعيد إلى ضرورة إلغاء أو تعديل ترسانة القوانين المقيدة للحريات… أما ما أشار إليه الخطاب بشأن مشروع قانون الانتخاب فهو مثلما نشر سابقاً لا يتصل بتعديل نظام الصوت الواحد المجزوء، الذي يمثل العلة الرئيسية، وإنما يتناول أموراً تنظيمية للعملية الانتخابية، ما يعني استمرار الموقف الحكومي السلبي على ما هو عليه تجاه النظام الانتخابي الحالي الفاسد.
وفي الشأن الاقتصادي فقد تحدث خطاب رئيس مجلس الوزراء عن الشراكة مع القطاع الخاص وأكد على دعم هذا القطاع من دون إشارة إلى ضرورة إلزامه بالمساهمة في تمويل الميزانية عبر الضريبة على أرباح الشركات والضريبة التصاعدية على الدخول الكبيرة.
فيما كان الحديث عن الفساد في هذا الخطاب يتصف بالعمومية والطابع الانشائي غير الملموس.
ونلاحظ كذلك أن خطاب رئيس مجلس الوزراء قد تعمد تجاهل قضية الكويتيين البدون، ومشكلات الكويتيات المتزوجات من غير كويتيين، ومشكلات المقترضين.
وإلى جانب ما سبق فإن الموقف الحكومي في انتخابات الرئاسة يبدو مرشحاً لأن يفتح الباب أمام عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، ما يخشى معه أن يكون عدم الاستقرار هو عنوان الفترة المقبلة.
أخيراً، فإن ما يعنينا في هذا المجال هو ضرورة التأكيد على التزام النواب الإصلاحيين والمعارضين للتوجه الحكومي، إن كانوا جادين في ادعاءاتهم، بعدم حصر تحركاتهم في الإطر النيابية وحدها وتجاهل تفعيل دور الرأي العام الشعبي والعمل على تعبئته والاستناد إليه، بالتعاون مع التيارات السياسية الإصلاحية والمعارضة خارج المجلس، في أي جهود وخطوات تتصل بممارستهم لمهامهم الدستورية كنواب سواء على مستوى الرقابة البرلمانية أو العمل التشريعي عند السعي لإقرار قوانين جديدة إصلاحية وديمقراطية مستحقة أو تعديل قوانين سيئة قائمة أو العمل على إلغائها… إذ لا نجاح متوقعاً لأي جهد نيابي بمعزل عن دور الناس وقوة الرأي العام الشعبي.
إن الكويت اليوم أحوج ما تكون إلى وقف حالة التردي وتحقيق انفراج سياسي، وإلى الحدّ من سطوة ونفوذ قوى الفساد، وتصحيح المسار الخاطئ والضار في الإدارة السياسية للدولة، واستعادة الشعب لحقوقه وحرياته المنتقصة وتمكينه من المشاركة الفعالة في إدارة الشأن العام، ومعالجة ما يعانيه الناس من مشكلات مستعصية وتخفيف مصاعب المعيشة عنهم، والسير على طريق الإصلاح والتنمية.
الكويت في 15 ديسمبر 2020