الحركة التقدمية الكويتية: برنامج عمل الحكومة منحاز طبقياً وغير عادل اجتماعياً
من دون مبالغة أو تهويل فإن ما تم نشره أخيراً من بنود برنامج عمل الحكومة للأعوام الممتدة من 2021 الى 2024 يكشف أن الوجهة العامة للحكومة في سياساتها الاقتصادية والاقتصادية الاجتماعية إنما تستهدف بالأساس تحميل الطبقات الشعبية العبء الأكبر لمشكلة عجز الميزانية، وذلك على الرغم من العبارات المنمقة والصياغات المبهمة التي تحاول إخفاء هذه الوجهة المنحازة طبقياً في برنامج الحكومة.
وبدءاً، فإننا لسنا بصدد إنكار وجود أزمة مالية وعجز في الميزانية يحتاجان إلى معالجات جدية، ولكننا في المقابل نرفض تماماً أن يتم تحميل الطبقات الشعبية العبء الأكبر في هذه المعالجات، بينما يتم التعامى عن أي دور أو مسؤولية يفترض أن يتحملها في هذا الشأن كبار الرأسماليين الذين يستحوذون على النصيب الأكبر من مقدرات البلاد وينتفعون أكثر من غيرهم من موارد الاقتصاد.
وسنحاول هنا أن نسلط الضوء على أبرز التوجهات التي تؤكد اتهامنا للحكومة بالانحياز الطبقي في برنامج عملها:
أولاً: يشير البرنامج عند تناوله لما يسمى تعظيم الإيرادات إلى "إعادة النظر في اسعار الخدمات والسلع، وكذلك الاصول والممتلكات العامة ضمن مشروع إعادة تسعير الخدمات العامة"… وهذا يعني عملياً رفع أسعار الكهرباء والماء والوقود، وزيادة الرسوم على الخدمات العامة؛ واستحداث رسوم جديدة، وهذا ما سيضيف أعباء معيشية سترهق حياة الطبقات الشعبية من صغار الموظفين والعمال والمتقاعدين وأصحاب الدخول المتدنية.
ثانياً: يطرح برنامج عمل الحكومة ما أسماه "إصلاح هيكل الأجور في القطاع العام وتوحيد سياسة الاجور ومواءمة هيكل الأجور بين القطاعين العام والخاص"، وهذا التوجه الحكومي لا يمكن أن يكون المقصود منه زيادة أجور العاملين في القطاع الخاص لتكون قريبة من أجور العاملين في القطاع الحكومي، وإنما المقصود هو خفض أجور المواطنين الكوتيين العاملين في القطاع العام أي في القطاع الحكومي لتكون قربية من أجور القطاع الخاص، وهو أمر بالغ الخطورة في وقت يعاني فيه صغار الموظفين والعمال من ارتفاع الأسعار وتكاليف المعيشة، هذا ناهيك عن أنّ مشروع قانون إعادة هيكلة اجور القطاع العام (البديل الاستراتيجي) يمثل أحد أبرز مشروعات القوانين السبعة التي يتضمنها برنامج عمل الحكومة، وهو مشروع قد يحقق منفعة للعاملين في بعض الجهات الحكومية من المحرومين من البدلات والكوادر، ولكنه للأسف ينتقص في المقابل من الحقوق المكتسبة لبعض فئات العاملين في مجالات ذات طبيعة خاصة خطرة أو شاقة أو ضارة بالصحة مثل العاملين في مجالات الطب والتعليم والانتاج النفطي.
ثالثاً: يتطرق برنامج عمل الحكومة بعبارات مطاطة إلى تخفيض الدعوم بالحديث عن "ترشيد وتوجيه الدعوم بطرق أكثر استدامة وفاعلية وإنشاء نظام تحديد المركز المالي للفرد لاستهداف الدعوم".
رابعاً: عندما يطرح برنامج عمل الحكومة ما أسماه تعظيم الايرادات، فإنه يتحدث عن "العمل على أهمية فرض ضريبة جديدة" من دون أن يشير البرنامج إلى نوع هذه الضريبة الجديدة، وهل هي ضريبة عادلة اجتماعياً من شاكلة الضريبة على التصاعدية الدخول الكبيرة والضريبة على أرباح الشركات؟ أم أن هذه الضريبة الجديدة هي ضريبة القيمة المضافة إياها؟… خصوصاً أن برنامج عمل الحكومة يشير مباشرة بعدها إلى ما أسماه "زيادة الضريبة الانتقائية على السلع الكمالية وذات التأثير على البيئة والصحة العامة، وذلك ضمن مشروع دراسة الضريبة الانتقائية الذي تقوم بها وزارة المالية".
خامساً: يطرح برنامج عمل الحكومة دعوات الخصخصة وتصفية القطاع العام وتقليص دور الدولة في الاقتصاد بطريقة ملتوية وغير مباشرة لتجنب استثارة الرأي العام الشعبي المناهض للخصخصة، وذلك عندما يشير في بند تعديل هيكلة الجهاز الحكومي إلى ما أسماه "تحويل دور الحكومة من مشغل الى منظم وزيادة الشراكة مع القطاع الخاص"… أي أن الدولة أو الحكومة لن تتولى تشغيل الخدمات والمرافق الحكومية وإنما ستعهد بها إلى شركات القطاع الخاص، بينما ستتولى الحكومة ما يسمى دور المنظم… وهي الذريعة التي طالما جرى طرحها لتسويق الخصخصة.
باختصار، إن برنامج عمل الحكومة في شقيه الاقتصادي والاقتصادي الاجتماعي يكشف بوضوح انحيازاً طبقياً معادياً لمصالح الطبقات الشعبية، وهذا ما نعارضه ونحذر من نتائجه وننبه إلى خطورة تبعاته وتداعياته السلبية على حياة الغالبية الساحقة من الناس، وندعو عموم المواطنين والنقابات العمالية والجمعيات المهنية وأعضاء مجلس الأمة إلى التصدي لمثل هذه التوجهات الحكومية المنحازة طبقياً وغير العادلة اجتماعياً.
الكويت في 28 ديسمبر 2020