الأزمة الاقتصادية.
يحدثنا خبراء الاقتصاد ورجال المال والأعمال عن أنه لا بديل لهذا العالم إلا الرأسمالية، وأنه بالرغم من أزماتها العنيفة والمتكررة إلا أنها تظل النظام الاقتصادي الأمثل لمصر والعالم. وخلال ذلك يصدعون رؤوسنا بالحديث عن الخصخصة وفتح الباب أمام الاستثمارات الخاصة وإزالة كافة العقبات أمام رجال الأعمال المحليين والأجانب في إطار "السوق الحر".
هذا السوق الحر ليس إلا حلبة للمنافسة التي لا تنتهي بين الرأسماليين، يكون فيه الدافع الأساسي وراء النشاط الاقتصادي لكل رأسمالي هو تحقيق الأرباح ومراكمة رأس المال حتى يستطيع الاستمرار ولا يسقط في منافسة نظرائه في السوق. هذه هي كلمة السر في النظام الرأسمالي: الأرباح والتراكم. ومن أجلهما يتسابق الرأسماليون في السوق على تخفيض التكاليف الإنتاجية وتكثيف استغلال العمال لديهم.
بل أيضاً، من أجل الأرباح والتراكم للاستمرار في سباق السوق، يستثمر الرأسمالي أمواله في المنتجات التي يتوقع منها أرباحاً، بغض النظر عما تحتاجه أغلبية المجتمع. ففي قطاع العقارات في مصر على سبيل المثال، يتكالب الرأسماليون على بناء القرى السياحية والفيلات والقصور والعمارات الفخمة التي تتكلف المليارات، والتي يتوقعون أن تجلب أرباحاً بمليارات أكثر لدى عرضها في السوق، بدلاً من توجيه هذه الثروات (التي هي في الأصل جزءاً من إنتاج المجتمع وجهد عماله) لبناء مساكن شعبية تأوي الملايين من المصريين الذين يعيشون في المقابر وعشش الصفيح.. طالما أن هؤلاء الفقراء لن يأتي من ورائهم أرباحاً تشبع طمع المستثمرين الرأسماليين.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ فبالنسبة للرأسماليين هناك أولوية قصوى للإنتاج على حساب الاحتياجات الجماهيرية، ويؤدي ذلك إلى فيض من الإنتاج الذي يتراكم في السوق دون أن يجد من يشتريه، وبالتالي لا تأتي الأرباح الذي توقع الرأسمالي أن يجنيها، فيتوقف الإنتاج وتُغلق المصانع والشركات ويتم تسريح العمال ومن ثم تتزايد البطالة. وهذه هي الفوضى التي تؤدي بالرأسمالية للوقوع في أزمات دورية من فيض الإنتاج ثم الركود والإفلاس.
هذه الأزمات هي سمة أساسية للنظام الرأسمالي عبر تاريخه، ولا عجب في نظام يعمل وفق كل هذه الفوضى أن يعاني أزمات دورية عنيفة. ففي الثلاثينات من القرن الماضي اصطدمت الرأسمالية العالمية بأزمة عميفة دفعتها للحرب وجعلتها تفرض خطط تقشف قاسية في البلدان المتقدمة والمتأخرة على حد سواء. استمرت الأزمة لسنوات حتى أتت الوصفة السحرية للخروج منها بتدخل الدولة لتلعب دوراً في الاقتصاد ببناء قطاع عام وتقديم الخدمات الاجتماعية، إلخ. لكن ذلك جاء في إطار الرأسمالية نفسها حيث بقيت نفس أسس الاستغلال والتنافس والتراكم التي تسبب الأزمة، فانفجرت من جديد في السبعينات أزمة أخرى استقرت بعدها الرأسمالية على ضرورة انسحاب الدولة من كل الأدوار التي اعتادت القيام بها طوال أكثر من ثلاثة عقود سابقة. وعلى الرغم من انتعاش الاقتصاد العالمي الذي استمر في الثمانينات والتسعينات، مرت الرأسمالية ببعض الأزمات الأقل شأناً إلى أن انفجرت الأزمة الرأسمالية الراهنة والتي بدأت في الولايات المتحدة ثم أوروبا ثم زادت الطينة بلة في البلدان المتأخرة اقتصادياً.
في كل أزمة عميقة تحاول الأنظمة الرأسمالية الفرار منها بتقليص الإنفاق على الخدمات الاجتماعية والمرافق العامة (حالة تقشف)، مقابل توجيه ميزانية الدولة لدفع كبار رجال الأعمال المتعثرين نتيجة توقف حركة السوق، من خلال تقديم التسهيلات والدعم إليهم وإعفائهم من الضرائب والسماح لهم بممارسة أقصى درجات الاستغلال على العمال كي يراكموا ثروات أكبر تمكنهم من تعويض خسائرهم للخروج من الأزمة.
ولا يعني ذلك إلا أن الأنظمة الرأسمالية تلقي عبء هذه الأزمات على كاهل العمال والفقراء الذين يدفعون ثمن أزمة لم يتسببوا فيها من الأصل. هذا ما تفرضه علينا الرأسمالية اليوم سواء ارتدت البدلة المدنية أو اكتست بالرداء الديني.
منقول عن (http://revsoc.me/theory/lzm-lqtsdy) نشر في تاريخ 11\9\2012