كلمة الأمين العام للحركة التقدمية الكويتية أحمد الديين في احتفالية الذكرى السنوية الخامسة والستين لتأسيس جبهة التحرير الوطني- البحرين
الرفيقات والرفاق، الحضور الكريم
يشرفني باسمي شخصياً ونيابة عن الحركة التقدمية الكويتية أن أتقدم إليكم بالتهنئة الرفاقية الحارة بمناسبة الذكرى الخامسة والستين لتأسيس جبهة التحرير الوطني- البحرين التي تأسست في 15 فبراير 1955 ويشكل المنبر التقدمي اليوم امتدادها التاريخي، ولا أقول وريثها، فحزب الطبقة العاملة مثلما أنه لا يُخلق من عدم، بل يستند إلى واقع مادي اجتماعي واقتصادي وسياسي وثقافي؛ فإنه كذلك لا يفنى ولا يموت وإنما يمتد ويتجدد.
ولعلنا لا نبالغ عندما نقول إن التاريخ البحريني شاهد حيّ على نضالات الجبهة وتضحيات الرفاق من أجل وطن حر وشعب سعيد، عبر كوكبة من الشهداء الميامين ومئات من المعتقلين والمنفيين الذين كانوا في مقدمة الصفوف من أجل تحرر البحرين وتحقيق الديموقراطية والعدالة الاجتماعية لشعبها... فتحية عرفان لأولئك المناضلين البررة بوطنهم والمتفانين من أجل قضية شعبهم.
الرفيقات والرفاق، الحضور الكريم
وعندما نعود إلى النصف الأول من عقد الخمسينات من القرن العشرين، فإننا سنرى أن تأسيس جبهة التحرير وانطلاقتها كطليعة سياسية منظمة للطبقة العاملة والشعب لم يكن نتاج رغبة ذاتية أو استناداً إلى قرار نخبوي اتخذه ذلك النفر من المناضلين المؤسسين، وإنما كان تأسيسها استجابة لحاجات موضوعية فرضها من جهة تطور الحركة الوطنية، وأملاها من جهة أخرى نمو حركة الطبقة العاملة، وساهم في تشكّلها من جهة ثالثة انتشار الأفكار الاشتراكية وتصاعد النضالات التحررية ذات المضامين الاجتماعية التقدمية في العالم أجمع، بما في ذلك بلداننا العربية ومنطقتنا الخليجية، ما اقتضى وجود طليعة سياسية وتنظيم حزبي من طراز جديد للحركة الوطنية يستند إلى منهج علمي قادر على تحليل الواقع وتفسير تناقضاته وحركته واتجاهاته، بحيث يكون هذا المنهج العلمي مرشد عمل من أجل تغيير الواقع، وهذا المنهج كان ولا يزال وسيبقى متمثلاً في الماركسية اللينينية.
لقد تطلّب الأمر حينذاك ولا يزال يتطلّب أن يرسم هذا الحزب الطليعي سياسة واقعية تحدد طبيعة المرحلة ومهماتها وأساليب النضال المناسبة، وهذا ما تمثّل في برنامج الجبهة الذي أقرته في العام ١٩٦٢ بعد سبع سنوات من انطلاقتها وكان يحمل عنوان "برنامج الحرية والاستقلال الوطني والديمقراطية والسلم"، وكان أول برنامج سياسي متكامل للتحرر الوطني والتطور الديمقراطي والتقدم الاجتماعي تطرحه حركة سياسية وطنية ليس في البحرين فحسب، وإنما في منطقتنا الخليجية، وذاك البرنامج يشكّل وثيقة سياسية ذات أهمية تاريخية، ولعل بعض بنوده بقيت صالحة بشكل عام إلى يومنا هذا.
وطوال سنوات نضالها خاضت جبهة التحرير مختلف أساليب الكفاح السياسي والجماهيري والبرلماني بدءاً من إصدار المنشورات والبيانات والكراسات السياسية وتوزيعها لرفع مستوى وعي الجماهير الشعبية وتعبئتها، مروراً بالمساهمة في قيادة الإضرابات والمظاهرات العمالية والطلابية، التي كان أوجها انتفاضة مارس ١٩٦٥ الشعبية جنباً إلى جنب مع القوى الوطنية الأخرى، وصولاً إلى الرد على العنف الاستعماري المضاد بالعنف الثوري الموجه ضد كبار مسؤولي جهاز المخابرات وجلاوزة القمع الاستعماري وفق شعار "لا يفل الحديد إلا الحديد" عندما اقتضت الظروف ذلك في أواسط الستينات.
الرفيقات والرفاق، الحضور الكريم
أما في أعقاب نيل البحرين استقلالها السياسي فقد ساهم مناضلو جبهة التحرير في النضالات العمالية التي شهدتها فترة أوائل السبعينات بالتعاون مع رواد الحركة العمالية من مختلف التيارات الوطنية، وبعدها خاضت الجبهة أسلوب النضال البرلماني وكان مرشحوها ثم نوابها العمود الفقري لكتلة نواب الشعب في المجلس الوطني الأول بعد إقرار دستور ١٩٧٣، التي ضمت إلى جانبهم عناصر وطنية وديمقراطية، وكان لتلك الكتلة النيابية دورها المشهود في الدفاع عن حريات المواطنين وحقوقهم وتحسين مستوى معيشتهم وحماية الأموال العامة، إلا أنه سرعان ما جرى قطع الطريق أمام المسار الديمقراطي لتدخل البحرين فترة مظلمة من تاريخها هي فترة قانون أمن الدولة سيىء الذكر، التي عانى منها الشعب البحريني وقواه الوطنية الأَمَرين لعقود طويلة عبر الاعتقالات الكيفية والمحاكمات الصورية والتعذيب الوحشي، ما أدى إلى سقوط العديد من الشهداء الأبرار من جبهة التحرير والجبهة الشعبية، ناهيك عن تشريد المناضلين ونفيهم خارج الوطن... وتتالت الضربات الأمنية والقمع الممنهج ضد الحركة الوطنية وبالأساس الموجه ضد الجبهتين ما ترك أثره السلبي البالغ على الحياة السياسية في البحرين وكذلك على التنظيمات التقدمية والوطنية وضمنها جبهة التحرير، وكان ذلك بالتزامن مع أزمات عميقة عانتها حركة التحرر الوطني العربية وهزات عاصفة شهدتها الحركة الشيوعية والعمالية العربية والعالمية... ورغم ذلك فقد راكمت جبهة التحرير وراكم مناضلوها خبرات وتجارب قيمة في النضال السياسي والفكري والتنظيمي والنقابي والبرلماني، وهي خبرات وتجارب تحتاج اليوم إلى توثيقها وبحثها لتنتفع منها الأجيال الشابة وتستفيد من دروسها.
وعندما نسترجع تلك السنوات الخوالي بحلوها ومرّها نستذكر كذلك الجهود القيمة التي يجب حفظها لجبهة التحرير في تمكين المئات من أبناء البحرين من تلقي تعليمهم في جامعات الاتحاد السوفياتي والبلدان الاشتراكية في مختلف المجالات والتخصصات والعلوم منذ بداية الستينات قبل تأسييس التعليم الجامعي في البحرين وذلك حتى بداية التسعينات، حيث ساهم أولئك بعد تخرجهم في تلك الجامعات في خدمة وطنهم ومجتمعهم، وشكلوا ولا يزالون جزءاً مهماً من النخب الثقافية البحرينية ومن الكوادر العلمية والطبية والهندسية والصحافية والقانونية والاقتصادية والبيئية المتميزة.
الرفيقات والرفاق، الحضور الكريم
أما على مستوى العلاقة الرفاقية المتميزة بين حزبينا الشقيقين: جبهة التحرير الوطني- البحرين وحزب اتحاد الشعب في الكويت وبين امتداديهما التاريخيين: المنبر التقدمي في البحرين والحركة التقدمية الكويتية، فقد كانت ولا تزال وستبقى مثالاً للروح الرفاقية والمشاركة النضالية والتضامن الأممي... وهنا أقول بفخر لقد كنا في السبعينات والثمانينات نناضل بوصفنا أعضاء في حزب واحد، ويطول الشرح في تعداد أشكال عملنا المشترك وتعاوننا في ظروف عصيبة كانت تتطلب من الشيوعيين البحرينيين والكويتيين التفاني والتضحية ونكران الذات وتعبئة الطاقات في طريق كنا ندري به وندرك وعورته وندوس أشواكه، ومنا مَنْ رحل، ومنا مَنْ بقي واستمر، ومنا مَنْ تبدّل، ومنا مَنْ لم تبدله السنوات والصعاب والتحديات والضغوط والمغريات ولكنها أنضجته فواصل المسير ليسلم الراية إلى جيل جديد نعقد عليه الأمل في تحقيق الإصلاح والتغيير الوطني والديمقراطي والاجتماعي في بلدينا.
دمتم... وإلى أمام
البحرين
١٤ فبراير ٢٠٢٠