خلط في المفاهيم وهجوم متوقع
دُعيت مساء السبت 8 فبراير إلى احتفالية الذكرى الثالثة لتأسيس التيار التقدمي الكويتي، وهو تيار شهادتي به مجروحة رغم أني لست عضواً فيه، لكني بكل تأكيد أحترم مبدئيته وخطيه الفكري والسياسي، فقد استطاع هذا التيار على حداثته أن يلعب دوراً محورياً في الحراك الشعبي، وفي توعية وتعبئة الجماهير حول معنى الإصلاح السياسي، وإقامة نظام برلماني كامل من خلال سن تشريع لقيام الأحزاب على أسس وطنية، وليس على أسس دينية أو طائفية أو قبلية، ولخص الأخ مسلم البراك الذي حضر الاحتفالية كل هذا بقوله: «يتفق المحبون والمؤيدون وكذلك المعادون للتيار التقدمي من خارجه على احترام التيار ومبادئه والذي قدم فاتورة عالية من المعتقلين».لكني لاحظت ومنذ تأسيس هذا التيار قبل ثلاث سنوات، والذي استطاع أن يجمع حوله جماهير واسعة في جميع مناطق الكويت، لاحظت أمرين هما قلّة الوعي والرأي المسبق حول فكر التيار التقدمي، والثاني هو العداء من قبل بعض القوى السياسية وبعض أدوات السلطة والهجوم المستمر عليه.فمن ضمن قلّة الوعي الشائعة لدى الجهلاء وأنصاف المثقفين، هو عدم التفريق بين مفاهيم التقدمية واليسار والاشتراكية والشيوعية، ورغم أن هذا الأمر يحتاج إلى صفحات كثيرة لا يسعها مثل هذا المقال، إلا أننا بايجاز شديد نقول ان التقدم هو عملية مستمرة مع استمرار تقدم التاريخ وليست صفة لشيء جامد وثابت، فالتقدمي هو من يسبق الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي بفكره وعمله، وهو بذلك على عكس الفكر السلفي بكل اتجاهاته وطوائفه الذي يستند إلى الماضي ويريد العودة إليه، أما اليسار فهو إضافة إلى معناه تاريخياً والمعروف للجميع فهو يمكن أن يجمع عدداً واسعاً من الاتجاهات الفكرية التي تحمل في داخلها يميناً ويساراً مثل الفكر القومي والاشتراكي الديموقراطي، أما في ما يخص الاشتراكية والشيوعية فهما مصدر خلط ولبس فاضح في فهم النظرية الماركسية وفكرها المتجدد باعتبارها منهجاً ومرشداً وليس باعتبارها عقيدة، تُطبق حسب كل مجتمع وواقعه الاقتصادي الاجتماعي، أما الحديث عن اشتراكية جمال عبد الناصر فليس لها محل من الإعراب هنا، والشيوعية هي مرحلة لمّا تصل إليها البشرية بعد وهي بعيدة وقد تحتاج إلى قرون وظروف موضوعية وذاتية على المستويين المحلي والعالمي، رغم أن الاتحاد السوفياتي ودول المنظومة الاشتراكية توصف من قبل الرأسمالية والأيديولوجيات المعادية والرجعية على أنها شيوعية بينما هي ليست كذلك.ففي المجتمع الاشتراكي لا ينتهي الصراع الطبقي ولا تُلغى الملكية الخاصة، وإنما يحدث ذلك في المجتمعات الشيوعية البعيدة جداً عن التطبيق، ولذا عندما تقول الأحزاب الاشتراكية التي تواجه مهام الثورة الوطنية الديموقراطية، أنها تطالب القطاع الخاص بالشراكة مع القطاع العام ورفد ميزانية الدولة والقيام بواجبه الاجتماعي في توفير الوظائف، هذا لا يعني خروجاً عن المبادئ الاشتراكية بل ينبع من صلب فكرها.أما موضوع الهجوم والعداء للأحزاب والتيارات التقدمية واليسارية، فلأنها ببرامجها وخطها السياسي ضد استغلال الإنسان للإنسان، وضد الاتجاهات الرجعية والمحافظة التي تريد الابقاء على المجتمعات كما هي، وهو ما يناسب مصالح الطبقات المتنفذة التي تعمل ضد التغيير، وعادة ما يكون هذا الهجوم غير نزيه وبعيد عن أخلاق الفروسية والحوار الفكري، إذ تُصب الاتهامات بالإلحاد واللاأخلاقية على أحزاب اليسار، علماً بأن النظرية الماركسية وبرامج الأحزاب التقدمية تحترم كل المعتقدات والموروثات الاجتماعية، كما أنها تحارب التفسخ الأخلاقي الذي أوجده وكرّسه النظام الرأسمالي، فأولوية الانضام إلى عضوية هذه الأحزاب هي «السمات الشخصية» أي الشخصية غير الفاسدة أخلاقياً والتي تلتزم بالصدق والنزاهة والمبدئية والانضباط والأخلاق العالية.بينما الأحزاب والاتجاهات السلفية شديدة المحافظة، فهي تكفّر الأحزاب والمظاهرات والإضرابات وتكفّر مخالفيها - هذا إذا استثنينا السلفية الجهادية من حديثنا- وهي بذلك ترفض تقدم المجتمع وحقوق المرأة وتعضّد من موقف الطبقات المستغِلة، ضد الطبقات المسحوقة والفئات الشعبية محدودة الدخل، وتسعى مع حلفائها من الأحزاب والتيارات الإسلامية السياسية إلى تقويض الدولة المدنية بكل مفرداتها، وهي بذلك تسير عكس منطق التاريخ الذي يسير إلى أمام بشكل مستمر، فليتوقع التيار التقدمي الكويتي مزيداً من الهجوم كلما ازاددت نجاحاته.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
--------------------------------------------------------------------
منقول عن جريدة الراي تاريخ 10/02/2014 عدد 12642