كبر وتحول إلى الانتهازية - الجزء الأول
بقلم: د. فواز فرحان*في إحدى الأمسيات البيروتية كنت ومجموعة من الرفاق نتحدث عن فترة إسقاط تجربة الاتحاد السوڤييتي وانهيار المنظومة الإشتراكية في شرق أوربا، كنا نجلس في إحدى المطاعم بشارع الحمراء حيث انطلقت المقاومة اللبنانية التي قادها (الشيوعيون) لطرد العدو الصهيوني من بيروت والأراضي اللبنانية المحتلة في ثمانينيات القرن الماضي. بعضنا -وأنا منهم- كان يناقش من خلال قراءاته وبعضنا الآخر انطلق من واقع معايشته لتلك الفترة كالرفيق عبدالواحد سهيل الوزير المغربي السابق وعضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والإشتراكية المغربي، كان الرفيق عبدالواحد يشرح كيف قاموا بالمغرب بعقد مؤتمر استثنائي للحزب لمناقشة هذا الزلزال المريع، وكانت فترة انعقاد المؤتمر مفتوحة والمجال كان متاحاً بغير حدود للرفاق ليشرحوا انطباعاتهم وتحليلاتهم وفي أحيان كثيرة ليقوموا بالفضفضة والتنفيس عن المشاعر المختلطة من الحزن والغضب والصدمة، فكان المؤتمر كما شبّهه الرفيق عبدالواحد أقرب إلى جلسات العلاج النفسي الجماعية! كان ذلك الحديث والنقاش مهماً بالنسبة لنا حتى نستطيع معرفة الفرق بين واقع الحركة الشيوعية واليسارية العالمية في بداية تسعينيات القرن الماضي وواقع هذه الحركة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية في ٢٠٠٨م، ومعرفة الفرق بين هذين الواقعين يقودنا إلى مناقشة جدوى استمرار هذا الفكر من عدمه، وكذلك يفتح باب النقاش أمام صلاحية هذا الفكر من عدمها وهل فعلاً غربت شمس الشيوعية؟ وهل للشيوعية شمس أصلاً حتى تشرق أو تغرب؟هذه المقدمة تعتبر مدخلاً للرد على من يسفّه ويسذّج ويتعالى بعدوانية على مئات الآلاف من الشيوعيين في بلداننا العربية والملايين منهم حول بلدان العالم في مختلف القارات. لقد تم إسقاط تجربة الاتحاد السوفييتي بعدة عوامل ذاتية عند الرفاق السوفييت وعوامل موضوعية محيطة شكلت ضغطاً على هذه التجربة حتى أنهاها غورباتشيوف الذي كبر وتحول إلى الانتهازية والعمالة، لست بصدد مناقشة هذه العوامل في هذا المقال لأنها تحتاج لعدة مقالات وربما كتب، ولكنني ذكرتها حتى أثبت بأن الشيوعية لم تغرب شمسها كما يعبر بعض مثقفي الصحف السطحيون، بل سأذهب أبعد من ذلك وأقول بأن الشيوعية ليست شمساً حتى تشرق وتغرب، بل هي حركة نضال مستمرة بين الطبقة المستغَلة والطبقة المستغِلة، حركة تمر بالصعود والهبوط، ولكن اتجاهها العام إلى الأمام وليس إلى الخلف، فتناقضات الرأسمالية ومشاكلها كالفقر والبطالة والتشرد والحروب لا حل لها إلا بالبديل التاريخي المتمثل بالإشتراكية، وهذا ليس (لوكاً) لكلام من سبقونا في هذا الخط الفكري بل هو واقع يبينه استمرار هذه الحركة في الشارع ومطالب الطبقة العاملة، ويشير إليه انتشار أدبياتها في مختلف الجامعات العالمية، وقبل أشهر على سبيل المثال بيّن استبيان لمحطة البي بي سي الإخبارية تصدُّر كارل ماركس كأعظم مفكر في الألفية الأخيرة في العالم. ودليل استمرار هذه الحركة هو صعود الأحزاب اليسارية والتقدمية والشيوعية بمختلف أطيافها في مختلف بلدان العالم، فبعضها يشكل الحكومات أو يشارك في تشكيلها كالصين وكوبا وفيتنام ونيبال والمغرب واليونان وفنزويلا وبوليفيا والأوروغواي وتشيلي والدول الإسكندنافية وغيرها من البلدان، وبعضها الآخر يشكل نسبة لا يستهان بها في البرلمانات العالمية كإيطاليا وفرنسا والبرتغال وأسبانيا وغيرها، بينما في بلدان أخرى نهضت أحزاب اليسار والتقدم والشيوعية من تحت أنقاض القمع والسجون والملاحقات والمنع والحظر والأمثلة هنا أكثر من أن يستوعبها هذا المقال.ما أردت قوله مما سبق أن الأفكار الشيوعية لا يتبناها فقط مجموعة من مغردي تويتر الذين قد يثيرون حفيظة بعض مدعي الثقافة والانتهازيين، بل هي موجودة في الواقع على هيئة حركة تؤثر في أحداث الدول والشعوب، فكتابة كلمة (الشيوعي) في محرك البحث في الانترنت كفيلة بإظهار آلاف الأخبار اليومية عن هذا الفكر وأتباعه. ولعل أحد الأسباب الذاتية لاستمرار هذه الحركة هي أن الشيوعيين هم أكثر من انتقد تجاربهم، والدليل هو تنوع هذه التجارب والمشاريع في مختلف الدول بحسب ظروف كل دولة ومستوى تطورها وعدم استنساخ التجارب التي أسقطت أو انهارت أو تعثرت أو تراجعت.في هذا الجزء من المقال أعتقد بأنني رددت على شبهة انتهاء صلاحية الأفكار الشيوعية، وفي الجزء الثاني من المقال سأناقش بعض الشبهات التي يطلقها بعض الانتهازيين والسطحيين من الكتاب كشبهة القوالب الجامدة والأفكار الطفولية عند الشيوعيين.----------------------------------------*عضو التيار التقدمي الكويتي.