حراك الأمس وحراك اليوم.
بقلم: د.فواز فرحان*
كان الحراك الشعبي في الكويت منذ عام ٢٠٠٩ وحتى الانتخابات الثانية بقانون الصوت الواحد حراكاً ذا طبيعة احتجاجية غير منظمة ولا واضحة المشروع رغم انطلاق بعض الشعارات المتفرقة خلاله مثل (حرية حرية مع حكومة شعبية) التي تعكس ارتفاع الوعي السياسي عند بعض الأطراف المعارضة الناشطة، وكانت هذه الطبيعة منطقية ومُتفهمة في ظل الفوضى السياسية المفتعلة من قبل السلطة من خلال قوانينها وأعرافها السائدة بسبب سيطرتها على جميع مفاصل الدولة؛ ومن هذه القوانين والأعراف عدم إشهار الأحزاب وتقسيم الدوائر الانتخابية تقسيماً فئوياً وطائفياً وقبلياً وكذلك القوانين المقيدة للحريات وخصوصاً الحريات السياسية. وكان من الطبيعي أن تصطف الكثير من القوى والتيارات السياسية على اختلاف منطلقاتها الفكرية وطبيعتها الطبقية في هذا الحراك احتجاجاً على ممارسات سلطوية معينة لا تحتاج لاتفاقٍ فكري حتى يتم الاصطفاف ضدها أو المطالبة بإنهائها، فرأينا اصطفاف القوى السياسية من أقصى يمينها وحتى أقصى يسارها ضد وجود ناصر المحمد على رأس الحكومة وكذلك رأينا هذا الاصطفاف ضد مرسوم الضرورة بتغيير قانون الانتخابات لتكون ذات صوت واحد مجزوء. ومن طبيعة الاصطفافات في المراحل الاحتجاجية أن القوى المصطفة تتغاضى عن خلافاتها البينية بسبب توحد هدفها الذي يركز على إنهاء وضع سيء أو مشوّه تضررت وتتضرر منه هذه القوى ومن ورائها الشريحة العريضة من الشعب؛ ونجد مثل هذه الاصطفافات في مراحل التحرر من الاستعمار وبناء الدول الحديثة وكذلك في الحركات الاحتجاجية على سياسات وممارسات السلطات غير المقبولة تجاه الشعوب.
وشاركت القوى الديمقراطية والتقدمية سواء كانت تيارات واضحة المعالم أو جماعات غير منتمية لتيارات في الحراك الشعبي الاحتجاجي السابق إيماناً منها بوجوب هذا الاصطفاف الشعبي تجاه الممارسات السلطوية المختلفة والساعية لعرقلة التطور الديمقراطي، وكان دورها واضحاً وبارزاً في تشكيل الجبهات والائتلافات وحملات مقاطعة الانتخابات وكذلك في تشكيل ودعم جماعات الضغط المطالبة بحل قضايا معيشية معينة، وهذه المشاركة الفاعلة لم تكن تحالفاً أبدياً مع القوى المختلفة معها فكرياً أو حتى طبقياً وليست صك موافقة على كل ما صدر ويصدر وسيصدر من هذه القوى المختلفة معها، لذلك رأينا كيف كان للتيار التقدمي الكويتي وقفة جادة ضد مشروع تعديل المادة ٧٩ من الدستور والذي سيؤدي إلى تقويض اللبنات الأساسية لمشروع بناء الدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، كما أن موقف التيار التقدمي الكويتي لم يكن متطابقاً مع مواقف مختلف القوى السياسية في الكويت من الثورات العربية فكان داعماً لكل تحركات الشعوب العربية ضد الاستبداد بغض النظر عن الطبيعة الاجتماعية التي سادت تلك التحركات؛ فعلى سبيل المثال لا الحصر كان موقفه من الحراك البحريني متناسقاً مع موقفه من الحراك السوري مع وجود فوارق في الظروف الموضوعية والذاتية لكلا الحراكين.الوضع السابق يختلف عن الوضع الحالي، فالاصطفاف الاحتجاجي ضد قضية محددة يختلف عن التحالف والتآلف المنظّم تحت مظلة مشروع موحد يسعى لاستكمال النظام البرلماني الديمقراطي، فالتحالف يستدعي وجود اتفاق على المشروع ومنطلقاته وتفاصيله؛ فمن غير المنطقي التحالف مع قوى لا تؤمن بالديمقراطية -ولكنها تستخدمها للوصول إلى السلطة لتنقلب عليها لاحقاً- في ظل مشروع يدعو إلى الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة! سيكون التقدميون ساذجين لو لم يضعوا تجارب تونس ومصر وليبيا وتداعيات الثورة السورية في الحسبان ويستفيدوا منها؛ فالوقوف مع الثورة ضد نظام دكتاتوري مجرم شيء والتحالف مع قوى سياسية رجعية وغير مؤمنة بالديمقراطية (السياسية والاجتماعية) والحرية لبناء دولة و وضع دستور شيء آخر تماماً مع فارق التشبيه بين الدول التي ذكرتها والوضع الكويتي، إن مطالبات قوى سياسية دينية كويتية بوضع دستور جديد ذي مرجعية إسلامية يجب أن يجعل التقدميين حذرين من وجودهم ضمن أي تحالف ينتج عنه مثل هذا المطلب المقوّض لأركان الدولة المدنية المرجوة، وإنّ مواقف بعض الأطراف الفاعلة في التحضير لمشروع يقولون عنه أنه نهضوي وسيطور البلد ديمقراطياً من قضايا الحريات الشخصية وقضايا الرأي وضلوع بعضهم بإشعال فتن طائفية وفئوية في المجتمع يجب أن تجعل التقدميين يحسبون ألف حساب للتورط بمشاريع يستخدمها هؤلاء بعكس ما ينادون به.خلاصة القول أن وجود التقدميين والديمقراطيين بفاعلية في الحراك الاحتجاجي لا يعني تحالفاً دائماً مع أطرافه، ولا يعني كذلك عدم وجوب حرصهم على التحالف مع قوى سياسية مؤمنة إيماناً حقيقياً بالديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية في مرحلة الحراك السياسي المنظم الساعي لاستكمال النظام البرلماني الديمقراطي.---------------------------------------*عضو التيار التقدمي الكويتي.