فائض قيمة الغباء!
طلب مني راشد اصطحابه لشراء هدية لوالدته بمناسبة عيد الأم الذي يصادف 21 مارس. وبما أن راشد وكل الأبناء يعتبرون الأب"بنك وهبته لهم الطبيعة"؛ فقد اختار أن يشتري الهدية من محل"هارفي نيكلز" في مجمّع الأڤنيوز.
وافقت بامتعاض حرصت على إخفائه، لكنني قررت استغلال هذه المناسبة"الغالية" لتزويد راشد ببعض التوعية الضرورية عن الاشتراكية والرأسمالية وفائض القيمة والصراع الطبقي والنزعة الاستهلاكية.
وصلنا المحل واختار راشد الهدية التي كان قد اتفق مع أشقائه وشقيقاته، مسبقا، عليها.
دفعت الثمن "الباهظ" وغادرنا المحل، وعندما ركبنا السيارة قلت لراشد:
هل سمعت بالمقولة"الماركات خدعة اخترعها الأذكياء لسرقة الأغنياء ووقع فيها الفقراء"؟
هو: لا.
أنا: انت فاهم معنى المقولة؟
هو: لا.
أنا: شوف..الماركة التي اشتريناها، قبل قليل، ليست إلّا سلعة تافهة غير ضرورية لحياة الإنسان. اخترعها وروّج لها شخص ذكي يريد سرقة أموال الأغنياء. لكن المشكلة أن الأغنياء أذكياء جدا ولا يمكن خداعهم بسهولة كما أن معظمهم يتصف بالبخل الشديد. فتجنبوا المصيدة بينما وقع فيها الفقراء المعروفون ببساطتهم وغبائهم أحيانا، فأصبحوا يشترون الماركات السخيفة بدلا من شراء مستلزمات الحياة الضرورية لهم ولأطفالهم و…
قاطعني راشد قائلا بفزع:
يعني حنا فقراء؟
قلت: لا، بس يمكن أغبياء شوي.
رد بارتياح: أشوه!
قلت محاولا لفت انتباهه لجوهر القضية: أغبى انسان هو الذي يدفع مالا كثيرا ثمنا لسلعة تافهة لا يحتاجها.
قال: قصدك اني غبي عشان اخترت هذي الهدية؟
قلت: لا. "تكنيكلي" أنا الغبي.
فضحك وقهقه.
عرفت بأنني فشلت في توصيل فكرتي إليه، فقررت تغيير تكتيك التوعية من التركيز على الفروقات بين الفقراء والأغنياء إلى التركيز على الفرق بين الأسواق البرجوازية والأسواق الاشتراكية.
كنا قد توقفنا في زحمة الدائري الرابع.
فقلت: تدري ان الأفنيوز برجوازي؟
هو: اشلون برجوازي؟
أنا: أسعاره غالية ما يقدر عليها معظم الشعب.
هو: وسوق 360؟
أنا: برجوازي أيضا.
هو: والبيرق؟
أنا: الاسم والموقع يوحيان بأنه شعبي لكنه، في واقع الحال، برجوازي.
انفتح الطريق وتدفّق المرور وأصبحنا قرب منطقة المشاتل.
قال راشد: إذن كل الأسواق في الكويت برجوازية.
أنا: لا.
هو: عطني مثال.
أنا: لن أعطيك مثالا، لكني سأريك السوق المقصود بعينيك.
انحرفت عن الطريق باتجاه سوق الجمعة ودخلت سوق الفقع واتجهت إلى محل بائع أعرفه.
استقبلنا البائع بالترحاب. قدّمت راشد إليه:
- هذا ولدي راشد برجوازي صغير.
ثم قلت لراشد مشيرا للبائع: - هذا الرفيق بوجواد عضو الحزب الاشتراكي-إقليم الأحواز.
عرض علينا بوجواد أنواع الفقع وكان الكيلو بـ 5 دنانير فقط.
قال راشد: يلقطونه ببلاش ويبيعونه بـ 5!
هذي هي مصيدة الأغبياء وليس الماركات.
بائع الفقع أكثر برجوازية من بائع هارفي نيكلز. فالأول لم يدفع فلسا واحدا في زراعة أو سقاية أو حصاد الفقع ورغم ذلك يبيعه بهذا السعر، بينما تكلّف صناعة الماركة التجارية مصاريف المواد الخام والتصنيع ثم يبيعها بعد خصم هذه المصاريف! - كان تعليق راشد مقنعا جدا وكافيا كي نغادر السوق متجاهلين محاولات الرفيق بوجواد الحثيثة لإقناعنا بشراء كيلوالفقع بنصف السعر السابق.
- ركبنا السيارة وقبل تشغيل محركها، سألت راشد: انت قرأت كتاب"رأس المال"؟
هو: لا.
أنا: إذن.. كيف عرفت نظرية"فائض القيمة"؟
هو: ما اعرفها.
أنا: من وين جبت الكلام اللي قلته قبل شوي عن جشع تجار الفقع؟!
هو: هذي بالعقل يبه.. فقع ينبت تلقائيا في الصحراء ويُلتقط دون جهد أو مصاريف ثم يباع الكيلو الواحد منه بأسعار تصل أحيانا، في ذروة الموسم، إلى 30 دينار!
هذي أبشع صور الجشع والاستغلال على الإطلاق.
ربّت على كتف راشد وقلت:
بعدي ولدي… أنا متوقع لك مستقبل لامع.. يا بتصير كارل ماركس جديد وهذا ما أتمناه، أو بتصير آدم سميث جديد وهذا مالا أتمناه.
أو انك بتصير قذّافي جديد والله يعوّضنا فيك خير.
بقلم: عبدالهادي الجميل