بيان صادر عن "التيار التقدمي الكويتي" حول طعن الحكومة بعدم دستورية قانون الانتخاب
يوماً بعد يوم تتكشّف أمام الشعب الكويتي محاولات السلطة للانقضاض على المكتسبات الديمقراطية؛ وتكريس نهجها للانفراد بالقرار؛ وإفسادها المتواصل للحياة السياسية، وعبثها المتكرر في النظام الانتخابي، وممارستها مختلف أشكال التدخّل المباشر وغير المباشر في الانتخابات للتأثير على مخرجاتها وتحويل مجلس الأمة في نهاية الأمر إلى مجرد ملحق شكلي بالسلطة.
ولقد سبق أن نبّه "التيار التقدمي الكويتي" مبكراً من مخطط السلطة لاستغلال الحكم الأخير الصادر عن المحكمة الدستورية بإبطال مرسوم حلّ مجلس 2009 المرفوض شعبياً، وذلك للعبث في النظام الانتخابي عبر إصدار مرسوم بقانون لتغيير توزيع الدوائر الانتخابية وتخفيض عدد الأصوات التي يستطيع الناخب أن يدلي بها... كما سبق لنا التحذير من استغلال السلطة لذريعة "العدالة" في تسويق هذا المخطط وتبريره، التي هي كلمة حقّ يُراد بها باطل، وكذلك حذرنا من الزجّ بالمحكمة الدستورية مجدداً في أتون الصراعات السياسية واستغلال أحكامها، على خلاف مقاصدها، لاتخاذ قرارات سلطوية منفردة.
ومثلما هو معروف فإنّ هناك تاريخاً حافلاً من العبث السلطوي بالنظام الانتخابي، كان من أبرزه انفراد السلطة في العام 1980 خلال فترة الانقلاب الأول على الدستور بتفتيت الدوائر الانتخابية العشر إلتي أقرّها المجلس التأسيسي إلى خمس وعشرين دائرة صغيرة مفصّلة وفق مقاييس السلطة، وذلك بعيداً عن المبادئ الديمقراطية ومعايير العدالة.
كما أنّ هناك سجلاً طويلاً للمحاولات المتكررة التي قامت بها السلطة لإقحام القضاء الدستوري كطرف في الصراعات السياسية، وهي المحاولات التي سبق أن تصدت لها القوى الوطنية والديمقراطية ونوابها بقوة وحزم ما أدى إلى إفشالها، بدءا من تقديم الحكومة في العام 1995 طلباً للمحكمة الدستورية بتفسير المادة 71 من الدستور لتحصين المراسيم بقوانين الصادرة فترة الانقلاب على الدستور، مروراً بالمناورة الحكومية للتصويت مع النواب الموالين لها في مايو 2006 لإحالة مشروع قانون الدوائر الانتخابية العشر الذي تقدمت به الحكومة نفسها إلى المحكمة الدستورية، وهي المناورة التي جرى فضحها وإفشالها، وصولاً إلى تقديم الحكومة في يناير 2011 طلب تفسير عدد من مواد الدستور لإضفاء مزيد من الحصانة غير المبررة لرئيس مجلس الوزراء تجاه المساءة السياسية... ولكن وعيّ الشعب الكويتي وإرادته والموقف الموحد للقوى السياسية أدّى إلى إفشال تلك المحاولات وإجبار السلطة على التراجع عنها والاضطرار إلى سحبها.
وها نحن اليوم أمام محاولة سلطوية جديدة للعبث بالنظام الانتخابي والتحكّم في مخرجاته، وللزجّ أيضاً بالقضاء الدستوري في الصراع السياسي الدائر الآن حول هذه المحاولة المكشوفة، حيث تتجّه الحكومة لأن تتقدّم إلى المحكمة الدستورية بطعن لا يخلو من الغرضية بعدم دستورية قانون الانتخاب، وذلك تمهيداً لانفرادها اللاحق بتغييره بما يناسب ترتيباتها عبر إصدار مرسوم بقانون قبل الانتخابات لتغيير التوزيع الحالي للدوائر الانتخابية وتقليص عدد الأصوات التي يدلي بها الناخب إلى صوت واحد أو صوتين.
وإزاء هذا فإنّنا في "التيار التقدمي الكويتي" ننبّه إلى ضرورة عدم الانخداع بنوايا السلطة وعدم الوثوق بتبريراتها وتجنّب الانجرار بحسن نيّة وراء ادعاءاتها التي تحاول أن تغطي بها الأهداف الحقيقة لمخططها... كما نتوجّه إلى أبناء الشعب الكويتي كافة وإلى قواه السياسية والشعبية ومجاميعه الشبابية للتصدي بحزم لمخطط السلطة والعمل على إفشاله عبر مختلف الأساليب والوسائل السلمية، مع ضرورة المبادرة إلى تشكيل أوسع جبهة شعبية ديمقراطية لمعارضة مخطط السلطة ولتحقيق الإصلاح السياسي الديمقراطي الشامل.
أما على المستوى الآني المباشر، فإنّ "التيار التقدمي الكويتي" يرى أن تتركّز الجهود في الوقت الحاضر على المطالب الثلاثة التالية:
أولاً: مطالبة الحكومة بسحب طعنها المقدّم إلى المحكمة الدستورية في قانون الانتخاب، نأياً بالقضاء الدستوري من أن يكون طرفاً في الصراع السياسي، ولقطع الطريق أمام السلطة للعبث بالنظام الانتخابي في غياب مجلس الأمة.
ثانياً: المطالبة بالإسراع في اتخاذ إجراءات حلّ مجلس 2009 المرفوض شعبياً، وإجراء انتخابات نيابية جديدة وفق النظام الانتخابي الحالي.
ثالثاً: ضرورة إسراع مجلس الأمة المقبل من دون تأخير إلى معالجة أوجه الاختلال في قانون الانتخاب الحالي وإصلاحيه ضمن حزمة شاملة من الإصلاحات السياسية الديمقراطية المستحقة التي تشمل: سنّ قانون ديمقراطي لإشهار الهيئات السياسية، وإقرار الدائرة الانتخابية الواحدة والتمثيل النسبي وخوض الانتخابات وفق نظام القوائم التي تتشكّل على أسس وطنية وديمقراطية.
ويرى "التيار التقدمي الكويتي" أنّ هناك إمكانية واقعية لتحقيق هذه المطالب ولإفشال المخطط السلطوي، إذ يمتلك شعبنا وتمتلك قواه السياسية والشعبية والشبابية ما يكفي من الخبرات المتراكمة وما يكفي من التجارب التاريخية المشهودة التي استطاع فيها الشعب الكويتي أن يفرض إرادته ويحول دون نجاح مخططات القوى المعادية للديمقراطية.
الكويت في 9 أغسطس 2012