بيان حول يوم الدستور صادر عن التيار التقدمي الكويتي
تحلّ الذكرى السنوية الثانية والخمسون لإصدار الدستور في ظل تمادي السلطة في نهجها الانفرادي غير الديمقراطي واشتداد هجومها على الحدّ الأدنى من حقوق المواطنة والحريات الديمقراطية التي كفلها الدستور واستمرار عبثها في النظام الانتخابي.
إنّ دستور 1962 على الرغم من كل ما يعتوره من نواقص إلا أنّه كان يمثّل مكسباً شعبياً هاماً في ظل الظرف التاريخي لإصداره بعد نيل الكويت استقلالها، ولم يكن هذا الدستور منحة أو هبة من السلطة وإنما هو نتاج تاريخ طويل من المطالبات الديمقراطية وتضحيات سطّرها شهيدا حركة مجلس الأمة التشريعي في العام 1939 محمد القطامي ومحمد المنيس والمعتقلون من قادة الحركة حينذاك، هذا بالإضافة إلى جملة من الظروف الدولية والإقليمية التي فرضت على السلطة حينذاك الاستجابة لوضع دستور للبلاد.
وبالطبع فإنّ دستور 1962 ليس دستوراً ديمقراطياً مكتمل الأركان، وإنما هو دستور الحدّ الأدنى، حيث ينعدم فيه وجود آلية ديمقراطية لتداول مناصب السلطة التنفيذية، ويغيب فيه حقّ إشهار الأحزاب السياسية، ولا يكتمل فيه الطابع التمثيلي لمجلس الأمة جراء اكتساب الوزراء المعينين من غير المنتخبين عضوية المجلس، وتحظى فيه الحكومة بضمانات مبالغ فيها تجاه الرقابة البرلمانية من حيث عدم اشتراط حصولها على الثقة وعدم إمكانية طرح الثقة فيها كاملة أو في رئيسها.
ومع ذلك فقد سعت السلطة منذ السنوات الأولى لبدء العمل بالدستور في تعطيل العديد من أحكامه وإفراغه من محتواه، وذلك إما بالانقلاب مباشرة على الوضع الدستوري مثلما حدث أول مرة في النصف الثاني من سبعينيات القرن العشرين ومرة أخرى في النصف الثاني من الثمانينيات حتى بداية التسعينيات؛ أو عبر التواطؤ مع الغالبية النيابية الموالية للسلطة في معظم المجالس النيابية المتعاقبة عندما تمّ تمرير مجموعة من القوانين المقيدة للحريات الشخصية والعامة والسالبة للحقوق الديمقراطية المقررة في الدستور، وتثبيت تدابير وإجراءات وتقاليد كرّست انفراد السلطة بالقرار.
وزاد الطين بلّة تكرار العبث السلطوي في النظام الانتخابي ما أدى إلى تحكّم السلطة في العملية الانتخابية ومخرجاتها وعرقلة إمكانية وجود غالية نيابية خارجة عن طوعها، وتكريس الطابع الفردي في خوض الانتخابات وفي العمل البرلماني... وبذلك فقد تمكنت السلطة من إعاقة التطور الديمقراطي وتقليص هامش الحريات وتخريب العملية الانتخابية وإضعاف المؤسسة البرلمانية.
وفي المقابل فإنّ القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية والشعبية وإن كانت قد تمكنت من التصدي للانقلابين المباشرين على الدستور في أواسط السبعينيات وأواسط الثمانينيات، إلا أنّ هذه القوى حصرت حركتها في نطاق الموقف الدفاعي الذي تشكّل تاريخياً لحماية دستور 1962 من الانقلاب السلطوي عليه، ما أدى إلى تحييد المطالبة بإقامة نظام ديمقراطي برلماني كامل، كما أنّ هذه القوى الوطنية والديمقراطية والشعبية عوّلت على نحو مبالغ فيه العمل الانتخابي والبرلماني كشكل شبه وحيد للعمل السياسي والنضال الجماهيري من أجل تحقيق الإصلاح والتغيير، وهذا ما مكّن السلطة من الإمساك بزمام المبادرة في الهجوم عليها وإضعافها أكثر وأكثر.
ومن هنا فإنّ القوى الوطنية والديمقراطية والتقدمية والشعبية مطالبة بإعادة النظر في نضالها من أجل تحقيق الإصلاح الديمقراطي عبر بلورة أجندة واضحة لتحقيق الهدف الاستراتيجي المتمثل في قيام نظام ديمقراطي برلماني كامل يستند إلى وجود حياة حزبية سليمة، وتداول ديمقراطي للسلطة؛ وضرورة نيل الحكومة ثقة البرلمان ونظام انتخابي ديمقراطي يقوم على القوائم والتمثيل النسبي.
وعلى المستوى المباشر لابد من مواصلة النضال من أجل تفعيل أحكام “دستور الحدّ الأدنى” ونصوصه التي لما تطبّق بعد ولا تزال مُعطلة ومعلّقة، مع مكافحة مختلف أشكال الإفساد والفساد والرشاوى واستخدام المال السياسي واستغلال النفوذ والتنفيع، وتفعيل اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد, والملاحقة القانونية والفضح السياسي للمفسدين والفاسدين، والعمل على إلغاء القوانين المقيدة للحريات وخصوصاً حرية الاجتماع العام وحرية التعبير عن الرأي والحقّ في تشكيل مؤسسات المجتمع المدني، وكذلك إلغاء القيود المفروضة على حق التقاضي أمام المحكمة الإدارية، إلى جانب التأكيد على حماية الحريات الشخصية للأفراد من الوصاية والتدخل؛ وعدم المساس بالطابع المدني للدولة، إلى جانب المطالبة بإطلاق سراح المعتقلين وسنّ قانون للعفو العام عن قضايا الرأي المعروضة أمام جهات التحقيق والمحاكم حالياً، وذلك من دون أي شروط أو تعهدات، وإلغاء عقوبة إسقاط الجنسية الكويتية أو سحبها أو فقدها عن المواطن الكويتي لاعتبارات سياسية وإلغاء القرارات الانتقامية الانتقائية الجائرة التي جرى اتخاذها في هذا الشأن.
الكويت في 11 نوفمبر "تشرين ثاني" 2014