عودة الفاشية الأوكرانية
كتبت في مقال سابق تحت عنوان «اقتسام النفوذ في العالم»، وأشرت فيه إلى أن «الضرب بين الامبريالية الأميركية والاتحاد الأوروبي من ناحية والامبريالية الروسية من ناحية أخرى، قد أصبح تحت الحزام من أجل اقتسام العالم، فما الدعم الأوروبي والأميركي للتظاهرات في أوكرانيا وهي حليف أساسي لروسيا، إلا انعكاس لهذا التنافس على النفوذ بالعالم».وقد تابع العالم التطورات الأخيرة والخطيرة في كييف والمدن التي تسيطر عليها المعارضة، والتي قامت بدفع من الاتحاد الأوروبي بعمليات تخريبية كبيرة، واحتلت مباني حكومية، وانتشرت حالات خطف واعتقال وسرقة المنشآت، وفي المقابل خرج عشرات الآلاف من العمال في المدن الشرقية رافعين لافتات عمال مناجم دونباس ضد التطرف وضد الفاشية، التي تقوم بأعمال التخريب وتطالب بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي طمعاً في دعم البنك الدولي، وهو ما ترفضه الطبقة العاملة وأحزاب اليسار التي لا تريد خضوع أوكرانيا واقتصادها لتحكم النيوليبرالية في مصيرها وامتصاص ثرواتها.وفي الوقت الذي أفرج فيه عن يوليا تيموشينكو التي حكم عليها بالسجن عام 2011، انعقد المؤتمر الآسيوي في شرق البلاد ضد مؤيدي الانضمام الفعلي للاتحاد الأوروبي، وتيموشينكو هي من النخب الفاسدة التي تسيطر على منابع الغاز، تلك النخب من الرأسمالية المتنفذة التي ظهرت بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، حيث تعتزم تيموشينكو ترشيح نفسها للرئاسة، بعد أن تم يوم أول من أمس تعيين أرسين أفاكوف المقرب منها وزيراً للداخلية وانتخاب أحد رموز المعارضة رئيساً للبرلمان وهو الكسندرتورتشينوف، بينما اضطر الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش إلى مغادرة القصر الرئاسي الذي احتلته المعارضة.وقد يبدو للبعض أن ما يحدث في أوكرانيا هو انتفاضة شعبية سلمية ديموقراطية ضد الديكتاتورية، لكنه في حقيقة الأمر صراع بين النخب الرأسمالية على السلطة وخاصة منصب الرئيس، إذ قامت المعارضة بتأسيس مؤسسات سلطوية موازية، وتقوم باسم الشعب بانتهاك الدستور من أجل سير البلاد في فلك النيوليبرالية.وقد أظهرت الأفلام في اليوتيوب أعمال التخريب التي طالت كل منجزات ومظاهر الاشتراكية بما فيها تماثيل لينين وتماثيل أبطال الحرب ضد النازية، وهذا يعكس عودة القوى الفاشية والنازية التي ترفع شعارات مطابقة لشعارات عملاء النازية في مناطق غرب أوكرانيا إبان الحرب العالمية الثانية، والذين قاموا بعمليات إبادة جماعية للقومية البولونية وقوميات أخرى في هذه المناطق.لكن ذلك لا يعفي السلطة من المسؤولية حيث أدت ممارساتها إلى احتجاجات، ولكن تأجيج العنف والتخريب هو من مسؤولية ودعم وتغطية إعلامية وسياسية من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، ويتضح ذلك من مطالبة الخارجية الأميركية لاخراج قوات حفظ النظام من العاصمة الأوكرانية، فهي تجد في أوكرانيا فرصة لإنقاذ الاقتصاد الرأسمالي المهزوز عن طريق الاستثمارات ومساعدات البنك وصندوق النقد الدوليين، وقد تسبب الفساد الذي استشرى بعد سقوط النظام الاشتراكي بنسب بطالة غير مسبوقة وازدياد لأعداد من يعيش تحت خط الفقر.وفي رسالة وجهها الحزب الشيوعي الأوكراني إلى الأحزاب الشيوعية والعمالية والحركات اليسارية في العالم، شرح فيها حقيقة الصراع والقوى التي تقف وراءها، وأعاد الحزب طرح رؤيته للحل التي تبدأ بوقف أعمال العنف ورفض التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للبلاد من قبل الدول الأجنبية، وإعلان استفتاء شامل حول التوجه الاقتصادي، وإجراء إصلاح سياسي وإقامة جمهورية برلمانية، وإعادة نظام النسبية للانتخابات النيابية، وإصلاح القضاء وتشكيل هيئة لاختيار القضاة.وهناك من يحاول بقصد أو عن سذاجة تشبيه أحداث أوكرانيا بأحداث سورية، ولكنه في الواقع يعكس الخوف الغربي من عودة ونهوض اليسار كما حدث في بعض الدول الاشتراكية السابقة مثل التشيك، بالتعاون مع الفاشية المتطرفة والنازية الجديدة والتيارات القومية الشوفينية.وليد الرجيبosbohatw@gmail.com
____________________________________
منقول عن جريدة الراي تاريخ 24/02/2014 العدد:12656