عن ترشيد الإنفاق
بقلم: د. بدر الديحاني
حديث الحكومة عن "ترشيد الإنفاق" المقصود به هو خفض بنود الإنفاق الاجتماعي الضرورية الذي لن يتضرر منه سوى أصحاب الدخول المتوسطة والدنيا، فمثلما ذكرنا في مقال سابق فإن "قرار إعادة دراسة الدعم الذي اتخذه مجلس الوزراء (21 أكتوبر 2013) يشمل جميع الأنشطة والخدمات والسلع التي تقدمها الحكومة للمواطنين حتى تلك المتعلقة بإعانات الرسوم الدراسية والتعليم (البعثات) وذوي الإعاقة والأندية، ودعم المنتجات المكررة والغاز المسال ودعم الكهرباء والماء وتكاليف المعيشة (بطاقات التموين) والأنشطة الرياضية ومنح الزواج، بالإضافة إلى دعم المزارعين وصيادي الأسماك وبدل الإيجار وفوائد قروض عقارية (أي قروض السكن الخاص من بنك التسليف)". (القبس 9 نوفمبر 2013).من الواضح إذاً من الذي سيُحمَّل تبعات العجز المالي المحتمل، وهو ما يتناقض مع تصريح وزير المالية في أثناء حضوره "المنتدى الاقتصادي العالمي" في "دافوس" عندما قال إن الحكومة "لا تهدف بأي شكل من الأشكال للمساس بالدعوم المالية الموجهة للمواطنين أصحاب الدخل المتوسط والدخل القليل"!كما أنه من الواضح أيضاً أن الحكومة وهي تسوّق لسياسة خفض بنود الإنفاق الاجتماعي الضروري فإنها تتجاهل الأسباب الحقيقية للاختلالات البنيوية في اقتصاد الدولة، وسياساتها الفاشلة التي ستؤدي حتماً إلى العجز المالي، فبدلاً من معالجة الاختلالات وتغيير السياسات وإصلاح الإدارة العامة فإنها تحاول تحميل تبعات سوء الإدارة والعجز المالي لأصحاب الدخول المتوسطة والمحدودة من خلال فرض الرسوم وزيادتها، وإلغاء دعم السلع والخدمات الأساسية، وفرض الضرائب غير المباشرة مثل ضريبة القيمة المضافة.ومع أن بند الإنفاق الجاري الذي يشمل الرواتب والأجور والمكافآت والبدلات والمزايا بالإضافة إلى الدعم بأشكاله وأنواعه كافة (مؤسسات وشركات وأفراد) يحتاج إلى إعادة هيكلة على أسس سليمة وعادلة، فإن من المستحيل أن يتم ذلك بمعزل عن مكافحة الفساد السياسي، وإعادة هيكلة جذرية للموازنة العامة للدولة، وتغيير توجهاتها الحالية المنحازة، بحيث يكون هنالك توزيع عادل للثروة، وإلا فإن سياسة "ترشيد الإنفاق" المطروحة حالياً لن تؤدي إلا إلى اتساع الفوارق الطبقية، حيث إن المبالغ المالية التي ستستقطع من مداخيل أصحاب الدخول المتوسطة والدنيا، ويترتب عليها زيادة معاناتهم المعيشية ستذهب مباشرة إلى كبار الأثرياء كي يزدادوا ثراءً.إن دعم الموازنة العامة للدولة وتنمية الإيردات غير النفطية أمر في غاية الأهمية ويتطلب البدء بتطبيق ما يلي:1- فرض ضرائب تصاعدية على الدخول الكبيرة وعلى أرباح الشركات الكبرى والبنوك والمؤسسات الخاصة التي تدعمها الدولة، ولكنها في المقابل لا توفر فرصاً وظيفية ولا تدفع ضرائب على الأرباح أو الدخول الكبيرة.2- إعادة تسعير أملاك الدولة وأراضيها في كل مكان خصوصاً في الواجهة البحرية على طول الشريط الساحلي وبالقرب منه، وفي الشويخ الصناعية ومنطقة الري والمناطق الصناعية الأخرى التي تحولت إلى مناطق خدمية وتجارية، فضلاً عن القسائم الزراعية و"الجواخير" التي تحولت إلى استراحات فخمة، والقسائم الصناعية وذلك من خلال طرحها بمزاد علني، فضلاً عن عدم إدخال أي تعديلات على القانون (7) لسنة 2008، بتنظيم عمليات البناء والتشغيل والتحويل والأنظمة المشابهة، وتعديل بعض أحكام المرسوم بقانون رقم (105) لسنة 1980، بالمخالفة لملاحظات ديوان المحاسبة مثلما هو مطروح حالياً من بعض المتنفذين من أجل الاستحواذ على أملاك الدولة وأراضيها.3- إعادة تسعير الكهرباء والماء والخدمات الإدارية بالنسبة إلى المناطق الصناعية والشركات والمؤسسات الخاصة (سعرها الحالي فلس واحد للكيلوواط للقطاع الصناعي والخاص بينما يدفع أصحاب السكن الخاص فلسين). ويقال، والعهدة على الراوي، إن أحد المجمعات التجارية الكبرى يستهلك من الكهرباء ما يوازي استهلاك منطقة سكنية تقع بمحاذاة الدائري الثاني.4- تحصيل المستحقات المالية الحكومية الخاصة بالكهرباء والماء لدى الشركات والمؤسسات والأفراد.5- إلغاء الأجهزة الحكومية التي لا حاجة فعلية إليها والدرجات القيادية (درجة وزير- وكيل ووكيل مساعد وما في حكمهما) التي تمنح لأشخاص من دون مزاولة عمل فعلي علاوة على تخفيض المخصصات وإلغاء أو تخفيض البدلات والمكافآت والمميزات التي تمنح إلى كبار مسؤولي الدولة (الوزراء والوكلاء ومن في حكمهم وأعضاء مجلس إدارات الشركات والمؤسسات الحكومية)، وكلها تدخل ضمن بنود الإنفاق الجاري.فهل تبدأ الحكومة؟!
-------------------------------------------------------------------------
منقول عن جريدة الجريدة بتاريخ 27/01/2014