سعدون محمد: البدون في عيون المجتمع الكويتي
بعد التسويف والمماطلة في حل قضية (الكويتيين البدون ) طيلة الخمسين عامٍ الماضية وبعد الوعود الكاذبه لم تكتفِ الحكومة باللف والدوران، حيث قامت بدس كل العنصريين الطارئين على الأنشطه السياسية والوطنية مسنودين بزخم إعلامي ودعم كبيرين بهدف تشوية هذه القضية وقلب الحقائق والتضليل والتدليس المتعمد.وأعتقد بأن ذلك كان مدروساً بشكل جيد ضمن سلسلة الإجراءات التعسفية والتضييق المستمر على هذه الفئه منذ أواخر الثمانينيات وبداية التسعينيات، حيث يتم عزلها عن المجتمع تماماً من الناحية الاعلامية وبالمقابل تنشط كل الأبواق العنصرية لمحاولة سد الفراغ لكل من يتساءل عن هذه القضيه، في الاعلام الرسمي للحكومة والتابع أيضاً وكذلك بعض أعضاء البرلمان ممثلي المجتمع ووعاظ بلاط السلاطين وحتى البعض من افراد مؤسسات المجتمع المدني، تخرج منهم أبشع واقبح الالفاظ والممارسات العنصرية التي تدل على انعدام القيم الاخلاقية لديهم، وحينها صدّقت المؤلف الإنجليزي الذي قال “الوطنيه أصبحت الملاذ الأخير لكل نذل“، كان من المفترض أن تمنع الحكومة كل هذه الممارسات العنصرية لكنها شجعتها بعدم تطبيق القانون وأقلها الإتفاقية الدولية للقضاء على كافة أشكال التمييز العنصري التي وقعت عليها الكويت ولم تطبق أسهل بنودها، بل هيأت الأرض الخصبة لكل عمل عنصري.بالنهاية ستجد الحكومة مجتمعاً معبأ بأفكار ومبررات للظلم والإنتهاك لا تخرج من وحل التمييز العنصري، مجتمع غالبيته يؤيد أو لا يهتم بممارسة الحكومة أعمال التضييق وسلب الحقوق والمعاملة السيئة وقطع سبل العيش الكريم، ناهيك عن التعسف في إجراء أي معاملة رسمية مرتبطة بشكل مباشر مع حاجة الإنسان للحياة كشهادة الميلاد أو رخص قيادة السيارات وغيرهما الكثير، بسبب شروط الجهاز “غير الدستوري” التعجيزية المعني بمعالجة اوضاع الكويتيين البدون “الجهاز المركزي لمعالجة اوضاع المقيمين بصوره غير قانونيه” والذي يرأسه رجل ذو رأي سلبي علني مسبق عن هذه الفئه، والأسوأ من ذلك مجتمع لا يراعي أغلبه القيم الإنسانية المعاصرة بسبب الاعذار الحكومية وماتروجه اجهزتها، مجتمع اغلبه غارق بوهم عدالة الحكومة التي تتعمد تعليق عجزها وفشلها عن ايجاد حلول لهذه القضية على بعض الذين تقول بأنهم يمتلكون وثائق أو مزورين دون أي دليل أو تحرك قانوني ضدهم .حاولت الحكومه التي قمعت أغلب اعتصامات وتظاهرات الكويتيين البدون السلمية المُطالبة بحقوقهم الإنسانية المشروعه والأصيله وأيضا مثقفوها وأبواقها العنصريه؛ قلب الحقائق وخلط الأوراق والتضليل دائماً وأبداً لكي لا تجد من يحاسبها على عجزها المتزامن مع تصريحات اعلامية طيلة خمسين عام مضت.أجزم تماماً بأن العقل والمنطق والضمير الإنساني الحي والروح الوطنية المسؤوله لا تجد أي مبرر لحرمان هذه الفئة من حقوقها في حياة كريمة على أقل تقدير، أو حرمانها ومنعها من الحصول على الجنسية الكويتية عبر أُطر ديمقراطية وعادله متمثلة في مؤسسة القضاء الذي سيحدد من يستحقها بدلاً من أن يكون المزاج القمعي والعنصري سيد الموقف، ولكن هذا صعب قبل تعديل قانون المحكمة الإداريه ليكون لها الحق في الفصل في منازعات الجنسيه وتحديد من يستحق حسب القانون، وأن أي حل لهذه القضية سيكون تضييقاً على جزء من هذه الفئه إن لم يكن عبر القضاء أو يكون القضاء جزء من الحل، لاسيما التعويض عن الحرمان لكل تلك العقود الماضية ومحاسبة كل من تسبب في ذلك.إن مايُمارس تجاه ( الكويتيين البدون ) من تضييق وإنتهاكات صارخة وسلب الحقوق الإنسانيه يُعتبر من أبشع وأفظع أشكال التمييز العنصري، وهوًنقطه سوداء في جبين الحكومة القمعية العنصرية وكذلك غالبية المجتمع الصامته التي سلّمَت بما تردده الحكومه واجهزتها ومثقفوها العنصريون دون إدراك حقيقي للقضية وأسبابها وأبعادها.الوعود كثيرة ولكن التنفيذ غائب تماماً ومتردد ومتعب وبلا فائدة أحياناً، يجب ان نتحد جميعاً من أجل هذه القضية في مطالباتها السلمية العادلة دوماً وأبداً لتحقيق حياة أفضل لأجيال تعاقبت لتعيش أوضاع وحياة أفضل مما هي عليها الآن.إن تضامن 21 جهة سياسية وحقوقية وطلابية مع اعتصام الكويتيين البدون السلمي في 2 اكتوبر، يضع القضية أمام تفاعل شعبي إيجابي غير مسبوق ولو كان بسيطاً ، ففي الوقت الذي يعجز كل من البرلمان والحكومة من الوقوف على مسؤولياتهما امام هذه القضية الوطنية والانسانية ، أصبح لزاماً على الشعب التفاعل معها كما هو الحال مع اي قضية وطنية أخرى، الشعب رقيب مصالحه ومصدر السلطات .بالنهاية يقول مارتن لوثر: أسوأ مكان في الجحيم محجوز لهؤلاء الذين يبقون على الحياد في المعارك الأخلاقيه الكبرى.سعدون محمد . صحفي