إنجيلا ديفز.. دراسات في الحرية
بقلم: رشيد غويلب
ولدت المناضلة الشيوعية إنجيلا ديفز عام 1944 في مدينة برمنغهام في ولاية الاباما الأميركية وتحولت إلى رمز نضالي عالمي لحركة اليسار، والحركة النسوية العالمية، وحركة الدفاع عن الزنوج في العالم، وبفعل نضالها الثابت والمستمر ضد الاضطهاد والعنصرية ومن اجل الديمقراطية، وحقوق السجناء السياسيين وضعت الشرطة الاتحادية اسمها ضمن قائمة تحتوي على اخطر عشرة "مجرمين" في الولايات المتحدة الأمريكية، وجرى اعتقالها في عام 1970 لتمضي في المعتقل ستة عشر شهرا، واجهت خلالها خطر عقوبة الإعدام بعد اتهامها زورا بالخطف والقتل العمد، وعلى اثر هذا الاتهام الشائن اجتاحت أنحاء العالم كافة موجة كبيرة من التضامن شارك فيها الملايين. وفي 1972 أطلق سراحها بعد أن أثبتت براءتها من التهم الباطلة التي وجهت اليها.
درست إنجيلا ديفز الفلسفة وعلم الاجتماع واللغة الفرنسية ضمن اختصاصات أخرى في الجامعات الأمريكية وجامعة فرانكفورت ألألمانية الغربية وعلى أيدي أشهر الأساتذة في حينه، ورغم عبورها سن التقاعد لا تزال تعمل كأستاذ محاضر في جامعة كاليفورنيا لمادة تاريخ الوعي، والدراسات النسوية، بالإضافة إلى ذلك فهي كاتبة معروفة ومتحدثة باسم الحملة المضادة لعقوبة الإعدام. ان دورها النضالي جعلها واحدة من المع المثقفين الجذريين في الولايات المتحدة الأمريكية. وما تزال ديفز تلقي المحاضرات المهمة في الجامعات وفي فعاليات العديد من المنظمات السياسية والاجتماعية. وفي دراساتها الأخيرة اهتمت وما تزال، بالترابط بين مختلف أشكال الاضطهاد، ومختلف الحركات التي تتشكل لمقاومتها، في إطار نضال واسع النطاق ضد الليبرالية الجديدة ومنطقها المعادي للإنسان وآلياتها في السلطة. وهذا ما يعكسه اهتمام انجيلا ديفز في دراساتها خلال الـ 15 سنة الأخيرة حول تطور "مجمع السجون الصناعي" في الولايات المتحدة الأمريكية (يبلغ معدل نزلاء السجون في الولايات المتحدة يوميا 2 مليون مواطن، وقد تم خصخصة السجون، وبواسطة العمل الإجباري الذي يقوم به السجناء، تحقق الشركات أرباحا هائلة). وإذا ما فكر السجناء بالهرب يتم إطلاق النار مباشرة على الرجال، وتطلق رصاصة تحذيرية أولا على السجينات الهاربات. وهناك منظمات نسوية تطالب- بإطلاق النار مباشرة ودون تحذير على النساء أيضا، عملا بمبدأ المساواة بين الجنسين (ص 78). وتسعى ديفز دائما لتوحيد جميع القوى المعارضة. ولهذا نراها مثلا تتحدث مع النقابات حول مشاكل النساء وخصوصياتهن، وتتحدث مع المنظمات النسوية حول المسائل الطبقية، وخصوصا حول كيفية خوض النضال ضد الخصم المشترك.وهي تقوم بذلك منذ صدور كتبها "المرأة، العنصرية، والطبقة" (برلين الغربية 1982)، "المرأة، الثقافة والسياسة" (1984)، ودراستها الرائعة "موروثات موسيقى البلوز وحركات النساء السود" (1998) حول مطربات موسيقى البلوز جيرترود ريني، بيسي سميث، وبيلي هوليداي، و "هل السجون باليه" (2003)، وهي دراستها الرائدة حول نظام السجون وجذوره في العبودية، وكذلك "إلغاء الديمقراطية" (2005)، الذي أشارت فيه إلى حركة إلغاء العبودية، وضرورة تحولها إلى حركة جديدة للمطالبة بإلغاء جميع أشكال الاضطهاد المضادة للديمقراطية الحقيقية على جميع الأصعدة.ومن الطبيعي ان تجد انجبلا ديفز في عام 2013 في تظاهرات "حركة لنحتل" والحركات المثيلة لها. والكتاب الجديد لها هو "معنى الحرية" ويجمع في صفحاته محاضراتها غير المنشورة بين 1994 -;- 2009 حول هذا الموضوع والمحاور القريبة منه.وعبر طريق حياتها الطويل تؤكد دوما على الترابط بين القضايا المطروحة، وتذكر مستمعيها وقراءها ان الحصول على الإمكانيات الديمقراطية مرة واحدة، لا يعني ضمان استمرارها، بل يجب، وارتباطا بطبيعة الخصم، العودة دائما للدفاع عنها. ان معنى الحرية بالنسبة لها مرتبط دوما بالنضال، ولا يمكن تصوره قطعا بدون الأخير.وكتابها الأخير "معنى الحرية وحوارات أخرى صعبة" الصادر في سان فرانسيسكو في عام 2012 يضم 12 خطابا وكلمة تعود لعام 2009 تنتهي بهذه الكلمات " نخوض نفس نضالاتنا كل عام من جديد. ولن نكسبها مرة واحدة والى الأبد، ولكننا في عملية النضال التي نخوضها معا، نتعلم اكتشاف الجديد، الذي ما كنا لنراه، وهكذا نثري تصورنا عن الحرية".
منقول عن موقع الحوار المتمدن.